دولياترئيسي

تحرك إيراني ـ روسي على خط الأزمة السورية

في تطور مفاجىء تحركت الدبلوماسيتان الروسية والإيرانية بشكل فاعل على خط الأزمة السورية من أجل إيجاد تسوية لهذه الأزمة. ويبدو أن طرح المبادرات تحول إلى شبه سباق بين الإيرانيين والروس. المبادرة الإيرانية تتضمن أربعة بنود هي: وقف فوري لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية، وإجراء انتخابات تشريعية تحت إشراف دولي… وقد تتضمن بنوداً جديدة يمكن أن تفتح أبواب موسكو أمام اجتماع ثالث بين الحكومة السورية والمعارضة، لكن هذه المرة بحضور وفد أميركي، إذا تأمن الحد الأدنى من التوافق المسبق على المبادرة، التي يطالب الأميركيون بتضمينها بنداً يتعلق بالانتخابات الرئاسية في مرحلة انتقالية تلي مرحلة الانتخابات التشريعية. وستقدم إيران هذه الخطة الى الأمين العام للأمم المتحدة قريبا بعد استكمال مناقشات مفصلة بين طهران ودمشق… أما الروس الذين باتوا يملكون تفويضاً أميركياً واضحاً في اختبار العودة إلى عملية سياسية، بدءاً من «موسكو 3» المزمع عقده نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل (في اتصال أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، طالب أوباما بعد عرض للأوضاع في سوريا ببديل من الرئيس السوري بشار الأسد للذهاب معاً نحو تسوية، فسأله بوتين عما إذا كان الأميركيون يملكون بديلاً من الرئيس السوري، ولم يأت أي جواب، وهو ما يعتبره الروس تسليماً بوجهة نظرهم)، طرحوا مبادرة تتضمن تشكيل تحالف دولي إقليمي يضم النظام السوري، بهدف القضاء على تنظيم «داعش». ويبدو أن الروس يحاولون الآن التشاور مع شركائهم الإيرانيين والسوريين في كيفية الدخول في مفاوضات يكرسون فيها نفوذهم، ووفق أي آلية.
وحول المبادرة الإيرانية المفاجئة يمكن تسجيل الملاحظات الاتية:
– المبادرة تعيد إيران لاعباً إقليمياً قوياً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
– خشية جيران إيران من الدول العربية وقوى غربية كثيرة، ما تراه نفوذاً إيرانياً متنامياً في المنطقة، خصوصاً مع اقتراب رفع العقوبات الاقتصادية التي كبلت نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي.
– مشاركة عواصم أخرى في تشجيع المسعى الإيراني – الروسي، إلى جانب الأميركيين، وخصوصاً سلطنة عمان، ومصر التي تطمح لدفع مجموعة مؤتمر القاهرة التي يقودها المعارض هيثم مناع إلى لعب دور أساسي فيها، في مواجهة الائتلاف الذي يسيطر عليه الاتراك، والذي أعاد انتخاب «الإخواني» خالد خوجة على رأسه لتأمين ورقة إعادة استخدام المعارضة الخارجية في أي استحقاق سياسي أو تفاوضي.
– رفض المعارضة السورية التي لا تزال تصر على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وتشكيل هيئة حكم انتقالي. وتعتبر المعارضة أن الاقتراح الإيراني مضحك لأنه يتجاهل الأزمة ومسبباتها. وترى أن الإيرانيين انخرطوا في حوار لا ينطلق من قاعدة الدخول في تسوية، بل للبحث عن مدى إمكانية تحصيل مكاسب، ليست بالضرورة لصالح النظام، بل لصالح نفوذهم وميليشياتهم في سوريا. وهذا ما يعيد الحل السياسي في سوريا والنقاش حوله إلى مربعه الأول.
– إذا ما تأكد أن المبادرة تحوي فعلاً بنداً عن تعديل دستوري يأخذ في الاعتبار العوامل الإثنية والطائفية، فإن ذلك يعد تحولاً ايرانياً نحو النظرة إلى التسوية، والاستجابة ربما لمطلب الأكراد في الإدارة الذاتية، ومغازلة الأتراك والأجنحة الإسلامية في المعارضة السورية. أما التركيز على حكومة موسعة بدلاً من حكومة بيان جنيف الانتقالية، فيطوي عملياً الحديث عن أي تغيير في النظام.
– هذه التحركات تجري تحت رقابة الأميركيين ومن دون إعاقتهم. وترغب واشنطن على ما يبدو في اختبار قدرة الروس والإيرانيين على التوصل إلى نتيجة في موضوعي تكوين حلف إقليمي لمكافحة الارهاب، وإيجاد تسويات يمكن أن تقبل بها دمشق. وتبقي واشنطن على موقفها المبهم من موضوع إقامة منطقة عازلة أو آمنة في شمال سوريا، كورقة ضغط سياسي على ما يبدو على طرفي الصراع، المتمثلين بإيران وروسيا من جهة، وتركيا وقطر من الجهة الأخرى.
سوريا ترحب بأي مبادرة سياسية تتم بالتنسيق مع الحكومة السورية وتحافظ على السيادة الوطنية من دون أي تدخل خارجي، ولكن مع اشتراط أن تتم كل خطوة على المستويات الكبرى بعد حصول استفتاء شعبي، ولا سيما في ما يتعلق بأية خطوة مرتبطة بتغيير الدستور، لكن كل المؤشرات تدل على أن المعارضة لن تغيّر موقفها من رؤيتها للحل في البلاد، إذ أن الائتلاف ينظر إلى الحراك السياسي على أنه لا يمكن أن يثمر حلاً حقيقياً، من غير ضغط يمارسه المجتمع الدولي على الدول الداعمة للأسد ونظامه، مشيرة إلى أن تلك الدول تمارس الهروب عبر تقديم مقترحات غير مقبولة. فإيران تحاول تقديم مبادرات مستفيدة من تحسن ظروفها الدولية لإعادة إنتاج شرعية النظام، والمبادرة الإيرانية هي نسخة مكررة عن مبادرة طرحها الأسد نفسه في عام 2013، وانتقدها المجتمع الدولي وتعرضت للرفض من دول أصدقاء سوريا.
وفيما تذهب موسكو بسرعة إلى دعوة المعارضة لملاقاتها في المشاورات حول استئناف مسار موسكو، باستقبال وفد ائتلافي ووفود من أجنحة المعارضة الأخرى، يستكمل الإيرانيون تحريك المسار والترويج للمبادرة في قيام وزير خارجية إيران بجولة جديدة تقوده الى أنقرة وموسكو وبيروت، وتشمل أيضاً دمشق وعمان. غير أن نقطة ضعف طهران إزاء موسكو هي التساؤل عن قدرتها على التواصل مع المعارضة، وفتح أبواب الحوار معها لتشجيعها على الجلوس الى طاولة المفاوضات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق