افتتاحية

من اقفل مدرسة فتح سجناً

لم يعد الشغور الرئاسي وحده ما يقلق اللبنانيين بل وايضاً القرارات العشوائية المتسرعة وغير المدروسة، التي تصدر عن مجلس الوزراء، الممثل بنصف حكومة تصريف الاعمال. هذه الحكومة التي تجتمع وتقرر بغياب رئيس للجمهورية ونصف اعضائها، وليست متمتعة بثقة مجلس نيابي وبالتالي هي خارج اي محاسبة، تتصرف على هواها، بعيداً عن اي ضوابط قانونية او دستورية.
منذ ايام اصدرت هذه الحكومة بعد اجتماع في السرايا، قراراً بالغاء الشهادة المتوسطة (البريفيه)، وقبل اسبوعين من موعد الامتحانات، فوجهت ضربة قاسية الى عشرات الاف الطلاب، والى قطاع التعليم باسره. لقد عُرف لبنان، وخلال عهود العز، يوم كان يتولى السلطة رجال يحرصون على مصلحة البلد والشعب قبل مصالحهم الخاصة، بانه جامعة الشرق. وكان يؤمه الطلاب من مختلف الدول العربية للتزود بالعلم والمعرفة وكانت مدارسه وجامعاته علامة فارقة في هذه المنطقة، وبدل ان يغادر اولادنا وشبابنا الى الخارج لنهل العلم كما يحصل اليوم، كان مقصد طلاب الخارج. واشتعلت الحرب وبدأت قطاعات الدولة المزدهرة تترنح، واثرت بنوع خاص على قطاع التربية، وحالت الاشتباكات والقصف والعنف المتمادي في بعض السنين دون اجراء الامتحانات، واستبدلت الشهادات المدرسية بالرسمية، فعانى الطلاب من ذلك الكثير، وتعثر دخولهم الى المدارس والجامعات التي قصدوها في دنيا الاغتراب. وها هي الحكومة تكرر المأساة، فتلغي البريفيه وقد تكون الشهادة الثانوية العامة على طريق الالغاء، اسوة بزميلتها، وتحرم مئات الطلاب من دخول الجامعات واكمال علومهم. قديماً قيل من فتح مدرسة اقفل سجناً، اما عندنا فيصبح القول من اقفل مدرسة فتح سجناً.
الا يكفي هذه الحكومة التعطيل الذي شرد طلاب السنة الدراسية الرسمية 2022 – 2023. الذين امضوا ايامهم على قارعة الطريق، على مدى العام، بسبب تقصير الحكومة في ايجاد الحلول، واعطاء الاساتذة حقوقهم؟ وهذا ليس اول قرار مدمر تتخذه هذه الحكومة بعشوائية. فقد اضطر مجلس شورى الدولة بالامس الى قبول الطعن الذي تقدمت به جمعية المصارف باحد بنود الخطة الاقتصادية الفاشلة، التي قدمتها الحكومة، وكانت تريد من وراء هذا البند، شطب الودائع التي سحبتها الدولة دون اذن اصحابها، ومولت بها صفقات بعضها فاحت منه روائح الفساد. فهل اصبح تعب عشرات السنين ملكاً خاصاً لهذه الحكومة تزيله بشحطة قلم؟ ولا بد من توجيه الشكر الى مجلس شورى الدولة الذي ابى ان توجه الضربة القاضية الى اللبنانيين المتألمين، والذين اصبحوا متروكين لقدرهم. ولكن كان عليه تحديد كيفية اعادة الاموال الى اصحابها.
هل من حلول لهذا الشغور الرئاسي القاتل؟ الامل ضعيف. لقد عوّل اللبنانيون على الخارج، عله يمد يده للمساعدة على انتشال لبنان من جهنم، الا ان املهم يخيب في كل مرة يسمعون عبارة «الحل عند اللبنانيين» وهم يعلمون ان السياسيين اللبنانيين قاصرون عن الحل، او انهم لا يريدون رئيساً للجمهورية. فهل يبقى امامنا سوى انتظار رحمة السماء تهبط علينا من باب ما، وتنقذنا مما نحن فيه، ومن هذه المنظومة التي هي اصل الداء.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق