سياسة لبنانية

استطلاعات استخبارية ومحاكاة واقعية لمستوى المخاطر

على رغم الانفراج النسبي الذي نتج عن تسمية النائب تمام سلام لتأليف الحكومة الجديدة، لا تزال البعثات الديبلوماسية العاملة في لبنان تعكس قلقاً متنامياً في التقارير الى عواصمها، كما في لقاءات السفراء الدورية، نتيجة مجموعة من التحديات تعتبر انها لا تزال تهدد الاستقرار الهش.

يتحدث سفير غربي، في احد التقارير الديبلوماسية، عن «المزيد من التدهور الذي شهده لبنان خلال شهر آذار (مارس) والنصف الاول من شهر نيسان (ابريل)، مع تصاعد التوتر في جبهات عدة، وحال عدم اليقين السياسي، مع انهيار الحكومة في 22 آذار (مارس) اثر استقالة رئيسها نجيب ميقاتي، بعد مواجهة مع «حزب الله» في مسألة تمديد ولاية المدير العام (السابق) لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي. وادت استقالة ميقاتي الى وقوع المزيد من الاشتباكات بين السنة والعلويين المسلحين في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، مما أسفر عن مقتل  12 شخصاً في الفترة بين 22 و24 آذار (مارس). كما ان التوترات الجارية في مدينة صيدا (جنوب لبنان) بين الشيخ السلفي أحمد الاسير وأنصار «حزب الله» الشيعي على خلفية العلاقة المتأزمة ذات البعد التاريخي، بدأت تأخذ منحى تصاعدياً ينذر بصدامات مذهبية قاتلة. وتابعت سوريا قصفها لقرى ومناطق لبنانية عبر الحدود. وسبق لوزارة الخارجية السورية ان هددت في منتصف آذار (مارس) الماضي بضرب المتمردين (السوريين) المختبئين في لبنان. وشهدت قرى شمالية عدة عند الحدود اللبنانية اطلاق نار من سوريا في الفترة بين 15 و31 آذار (مارس). وشن النظام السوري، للمرة الاولى، غارات جوية استهدفت بلدة عرسال (شرق لبنان) في 18 آذار (مارس). ووصفت واشنطن هذه الغارات بـ «التصعيد الملحوظ في الانتهاكات السورية للسيادة اللبنانية». كما دانت فرنسا بشدة الغارة الجوية التي نفذها طيران النظام السوري على جرود بلدة عرسال في 9 و10 نيسان (ابريل) الجاري، واعتبرت أنها تشكل «انتهاكاً جديداً وخطيراً لسيادة لبنان». وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان: «ندين بشدّة القصف الذي شنته القوات المسلحة التابعة للنظام السوري على بلدة سرج العجرم في شمال لبنان والتي أدت إلى إصابة أربعة أشخاص». واعتبرت أن القصف يشكل «انتهاكاً جديداً وخطيراً لسيادة لبنان من قبل نظام دمشق»، مشددة على حرص فرنسا على سيادة لبنان واستقراره واحترام حرمة الحدود اللبنانية. وسارع تحالف 14 آذار (مارس) الى الدعوة الى نشر الجيش اللبناني والقوة الدولية المعززة في الجنوب والتابعة للأمم المتحدة، عند طول الحدود. وأصدر مجلس الأمن الدولي في 14 (آذار) مارس بياناً عبّر فيه عن قلقه إزاء تكرار حوادث إطلاق النار عبر الحدود اللبنانية – السورية والاجتياحات وعمليات الاختطاف والاتجار بالأسلحة. بالتزامن مع ذلك تعرض رجال دين سنة في 17 آذار (مارس)، في حادثين منفصلين، الى هجومين في مناطق ذات غالبية شيعية، مما أثار تظاهرات في انحاء البلاد».
 ويشير التقرير الديبلوماسي الى ان «الأزمة اللبنانية تعكس شعوراً متزايداً بعدم الامان بين الطوائف والمذاهب الكثيرة في لبنان، والتي تستشعر انها باتت محاطة بالمخاطر، مع التبدل المطرد على نحو متزايد – واحيانا دراماتيكي – في موازين القوى، مما يزيد في مساحات الاحتكاك بين مختلف الفصائل والقوى السياسية المتنازعة، مع ازدياد حالات الفرقة نتيجة الخلاف في مقاربة ما يحدث في سوريا، بين داعم للنظام ومؤيد لمعارضيه».
ويتحدث عن «تقاطر المقاتلين اللبنانيين الى سوريا للمشاركة في الاحداث، بنحو متزايد ومقلق، مع التحضير لمعركة كبرى متوقعة في دمشق، ووسط طوفان من اللاجئين السوريين يهدد بإجتياح لبنان ذي الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديمغرافي الهش اصلاً».

استكشاف استخباراتي
وكانت بيروت قد شهدت في الاسابيع القليلة الفائتة زيارات ديبلوماسية – استخبارية عدة، من بينها زيارة موفدَين أمنيين اميركيين بهدف تنسيق الإستعدادات الجارية لمواجهة التطورات الأمنية المرتقبة. ورمت هذه الزيارات الاستطلاعية الى محاكاة واقعية لمستوى المخاطر في ضوء تقارير البعثات الديبلوماسية، وهي في معظمها تعكس مناخاً متشائماً يبعث على القلق من احتمال تعرض الرعايا الاجانب الى مخاطر التأزم السياسي والامني اللبناني.
تزامنت هذه الزيارات مع نبرة غير مسبوقة تضمنها البيان الدوري الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول مخاطر السفر الى لبنان، فرضتها طبيعة المعلومات التي تكشّفت عن قرار مجموعات المعارضة السورية، سواء كانت من القوى المعتدلة او الراديكالية المتطرفة مثل «جبهة النصرة»، بنقل المواجهة مع «حزب الله» الى لبنان.
ويعتقد ديبلوماسيون أن فشل محاولات احتواء التورط اللبناني في الاحداث السورية وانكفاء مختلف الاطراف اللبنانية المعنية بالاحداث السورية عن مزيد من التورط والتدخل، والتزام فعلي غير مشروط بسياسة النأي بالنفس، «قد يؤدي الى انتقال الحرب السورية الى لبنان على شاكلة مواجهات دامية وخصوصاً بين «الجيش السوري الحر» و«حزب الله»، في ضوء قرار المعارضة السورية القتال في لبنان كأفضل وسيلة للدفاع عن مواقع الثورة في سوريا. وعلى خلفية هذا المشهد، يأتي تحرّك الإدارة الاميركية في لبنان استعداداً لاي تدهور مرتقب قد يصبح واقعاً، وقيام هيئات أمنية وعسكرية وديبلوماسية مختصة، بتهيئة الظروف اللوجستية للحالات الطارئة، وهذا ما يفسر الحديث عن استكشاف مرفأ الضبية شمال بيروت في الاسابيع الفائتة».
ويؤكد هؤلاء أن «اي تطور دراماتيكي في المسار اللبناني، ليس متصلاً بتطورات المعركة في سوريا، لناحية تغيير التوقعات بالنسبة الى مواعيد سقوط النظام أو عدم سقوطه، إنما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأخطار الأمنية التي تحتم على دول القرار الاستعداد لمواجهتها، في ضوء التجارب الكارثية السابقة في هذا المجال».

محاكاة اجلاء
وسبق لتقارير محلية ان تحدثت عن «تخوف فعلي لدى عواصم القرار، وفي مقدمها واشنطن، من تدهور أمني محتمل في لبنان، لافتة إلى أن «هذا التدهور من الممكن أن يأخذ اشكالاً مختلفة:
– فتنة داخلية تجتاح لبنان نتيجة التزايد المقلق في نسب الاحتقان الطائفي والشعبي وتنامي حركات التطرف الديني وتعاظم دورها وطغيانه على الاصوات المعتدلة.
– مواجهات بين «حزب الله» و«الجيش السوري الحر» في المساحة اللبنانية، وخصوصاً في البقاع، إذ إن معلومات استخباراتية اظهرت أن «الجيش السوري الحر» يخطط لمهاجمة منطقة الهرمل في حال تحقق له قلب النظام واخراج الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة.
– اجتياح إسرائيلي يستهدف «حزب الله»، مما يحتم تحركاً دولياً – غربياً عاجلاً لاجلاء الرعايا الاجانب، تماماً كما حصل ابان حرب تموز (يوليو) 2006.
وكشفت التقارير المحلية ان اجهزة معينة في سفارات غربية عاملة في بيروت شرعت منذ فترة في محاكاة سيناريوهات اجلاء الرعايا، منها ما حصل على مستوى سفارة الولايات المتحدة الاميركية، كزيارة الوفد الامني المتخصص لمرفأ ضبية، وهو سبق ان كان محطة رئيسة لاجلاء الرعايا الاميركيين الى قبرص ابان حرب 2006، مع تعذر استخدام المطار ومرفأ بيروت وباقي المرافق البرية الحدودية.

القتال الحدودي
يتحدث تقرير بحثي اميركي عن «احتمالات متزايدة لحصول قتال حدودي لبناني – سوري بين السنة والشيعة. ففي منطقة البقاع الشمالي، يعمل مقاتلو «حزب الله» الشيعة علناً عبر الحدود ضد الجماعات السنية السورية التي تقاتل نظام الأسد جنوب القصير. ويشمل ذلك استهداف مواقع الثوار مع إطلاق الصواريخ من لبنان. ويساعد سكان قرية عرسال اللبنانية السنية المجاورة الثوار السوريين على مقاومة عمليات «حزب الله» هذه، مما يتسبب في توتر كبير في الداخل».
ويشير الى انه «قد ينشأ عن تلك المصادمات خطر السيطرة الشيعية على المناطق المختلطة مذهبياً الواقعة غرب مدينة حمص السورية وجنوبها، حيث يلزم أن تكون دويلة الأسد الرديفة مجاورة لوادي البقاع الخاضع لسيطرة «حزب الله» في لبنان. كما وأشعل القتال توترات جراء قيام النظام السوري بقصف يومي للمناطق الحدودية اللبنانية على طول وادي النهر الكبير، مما أدى إلى نشوب نزاع طائفي كبير من وادي خالد غرباً في اتجاه منطقة عكار وطرابلس. وقد تؤدي مثل هذه الأعمال إلى اندلاع نزاع طائفي كبير بين السنة والشيعة في لبنان يترتب معه وقوف كل راعي إقليمي الى جانب الطرف الذي يؤيده».

ازمة اللاجئين
ويتحدث التقرير الديبلوماسي بقلق بالغ عن أزمة اللاجئين السوريين، اذ «سجلت الأمم المتحدة وجود أكثر من 1،1 مليون لاجىء في الدول المجاورة لسوريا. ويشي هذا الرقم برأس جبل الجليد الآخذ في التشكل، نظراً الى ما يحدث على أرض الواقع من تطورات دراماتيكية ومأسوية. فهناك تقديرات تشير إلى أن الرقم أعلى بكثير، كما أن ملايين المشردين المنهكين من دون مساعدات داخل سوريا قد يعبرون الحدود قريباً في حال انسحاب المزيد من قوات النظام للدفاع عن دمشق. وفي منطقة حوران، على سبيل المثال، يبلغ متوسط عدد اللاجئين الذين يعبرون الحدود 3000 يومياً، والشيء الوحيد الذي يمنع هذا الرقم من الزيادة هو وجود دوريات نظامية وغير نظامية تابعة للنظام تطلق النار على من يحاول العبور».
ويشير التقرير الى ما سماه ظاهرة انتشار الإرهاب، «اذ إضافة إلى القضايا الإنسانية، يصحب اللاجئون معهم العديد من المشاكل السياسية التي تحرق المجتمعات السورية راهناً، واخطرها صعود الأيديولوجيات المتطرفة من الخليج وشمال أفريقيا. وقد يؤدي هذا إلى زعزعة استقرار المنطقة لا سيما شمال الأردن، ومحافظتي هاتاي وكيليس التركيتين، وأجزاء من لبنان بسبب كثرة أعداد اللاجئين. ومما يعرض الهيكل الأمني للمنطقة للخطر، وخصوصاً حول إسرائيل،  أن الجماعات المتطرفة تريد حصراً انهيار مناطق محددة من الدولة، وليس البلاد بأكملها. ويمكن بعد ذلك استغلال تلك المناطق من أجل الإعداد لشن هجمات ضد إسرائيل، وكملاذ لعمليات داخل سوريا، سواء قبل سقوط الأسد أو بعده».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق