افتتاحية

من كان منكم بلا خطيئة

من كان منكم بلا خطيئة فليرجم الاخرين بحجر. كلكم اخطأتم بحق هذا البلد، فلماذا لا تزالون تعتمدون سياسة التهديد والاتهام المتبادلة في ما بينكم؟ هذا الوطن الغفور اعطاكم الكثير فاستضعفتموه ودمرتموه، فاصبحتم مثل ذلك الطفل الذي اهدي لعبة فراح يمعن في تكسيرها، ولما خسرها جلس يبكي عليها. من منكم لم يرتكب المعاصي بحق هذا البلد؟ لقد تركه لنا الاباء والاجداد لؤلؤة تشع، وسط هذا الشرق الملطخ بالسواد، فاذا بكم وقد حولتموه الى جهنم ملتهبة، اضطر اهلها الى هجرها بحثاً عن الامان والحياة الكريمة والاستقرار التي بخلتم بها عليهم.
تتقاتلون من اجل رئيس للجمهورية، وهو على اهميته سيقف عاجزاً وسط هذا الجو الملبد بالحقد والضغينة والانتقام. واياً تكن مقدرته وجبروته، فهو في هذه الاجواء لن يستطيع ان يحمي لا ظهر المقاومة ولا ظهر المعارضة ولا البلد كله. فالمناكفات والانقسامات تجرده من اي سلطة. فاذا اردتم حماية انفسكم عودوا الى ذواتكم واعيدوا حساباتكم بصدق وشفافية، واطرحوا جانباً مصالحكم الخاصة التي لا يمكن ان تتأمن الا في بلد آمن ومستقر. اجلسوا حول طاولة، وليس مهماً من يترأسها فكلكم رؤساء، ولكن المهم ان تكونوا صادقين. اطرحوا هواجسكم كلها على الطاولة، وفي الحوار والتفاهم يصبح لكل مشكلة حل. ولكن مهلاً وفق حوار صادق بلا شروط واهداف مسبقة.
لبنان عمره الاف السنين، مر عليه غزاة وحروب، وتعرض للقهر. عرف شعبه الفقر والجوع، وفي كل مرة كان ينتفض وينهض من بين الركام. لقد زالوا كلهم وبقي هو شامخاً. فمن واجبكم المحافظة على هذا الشموخ. ساعدوه لكي ينهض من جديد قبل ان ينهار كلياً ويجرفكم كلكم معه. فالخسارة لن تكون على فريق دون الاخر، بل على الجميع، مهما علا شأنهم. ساعدوه لكي يستعيد الدور الكبير الذي لعبه بين الدول، قبل ان تتسلموه وتعملوا فيه هدماً وتحطيماً. ويكون عنوانه الوحيد الاستقرار. فلا استثمارات ولا ازدهار في ظل اجواء لا توحي بالثقة والاطمئنان. كانت مرافئه بوابة الشرق الي الغرب والعكس صحيح، فعملتم على تغيير المسار، وها هي الدول العربية وقد بدأت تتطلع الى مرافىء اخرى، وبات يخشى ان تنتزع هذا الدور تماماً، كما انتزعت بعض العواصم الخليجية الدور الذي كان لبيروت دون منازع. ولكن كما اشرنا فرأس المال جبان والمشاريع الكبرى والاستثمارات المربحة لا تنمو وتزدهر الا في اجواء الامن والامان. احد القادة العرب قال يوماً حلمي ان اجعل من بلدي شبيهاً ببيروت، وكانت يومها محط انظار الدول الاقليمية والدولية، ولما دمرتم لبنان والحقتم به الخسارة المدوية، تحقق حلم هذا القائد العربي، وكان له ما اراد، لا بل اكثر من ذلك انتزع دور بيروت بالكامل.
ان اصدق الناس لديكم هو من يصارحكم، لا من يطبل لكم. لذلك نورد هذه الخواطر النابعة من قلب صادق، لا يحمل الكره لاحد. يجب ان تكون التجارب قد علمتكم ان الانقسامات تزيد الوضع انهياراً وتدهوراً. فاعقدوا العزم على تصفية النوايا والتقرب بصدق بعضكم من البعض الاخر، وعندها فقط يسلم لبنان. لا تتركوا التاريخ يدون عهدكم بصفحات سوداء عنوانها العار. كنتم قدوة في العيش معاً حتى تغنى العالم كله بهذه الصيغة، وسمي لبنان «رسالة» الى العالم، فلا تضيعوا هذا الانجاز الذي لا يضاهيه انجاز اخر مهما كان كبيراً. هذا الكلام بالطبع لن يلقى الاذان الصاغية لان كل طرف متمسك بارائه. انتم كلكم تشكون ولكنكم كلكم سبب الشكوى فمتى تستفيقون؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق