سياسة لبنانيةلبنانيات

الجلسة التشريعية الاولى للمجلس النيابي كانت مخيبة واكدت ان التغيير بعيد

هل الاولوية لانهاض لبنان تشكيل محكمة بدعة تحاكم نفسها بنفسها؟

عقد المجلس النيابي امس جلسته التشريعية الاولى. وكانت العيون شاخصة اليه، لاستطلاع ادائه. هل خرج من المسار القديم القاتل؟ وهل اتبع التجديد؟ الا ان المؤشرات كانت مخيبة. فقد افتقد الى الجدية ودلت تصرفات بعض النواب وكأنهم ليسوا في مجلس نيابي يتوقف على ادائه الكثير من مستقبل البلد، بل ظهروا وكأنهم اولاد في ملعب يستهدفون رفاقهم. فهل هناك خطة لتفشيل النواب التغييريين منذ الخطوة الاولى، واسقاط هالة التغيير عنهم. ان الذين قاموا بهذه الاعمال حقروا انفسهم، كذلك فان قيادة الجلسة كانت هي اياها لم يتبدل فيها شيء.
هذا من حيث الشكل، اما من حيث المضمون فالنتيجة لم تختلف. فبدل ان ينكب المجلس النيابي على اقرار القوانين المتعلقة بطلبات صندوق النقد الدولي، كالكابيتال كونترول، والموازنة، واعادة هيكلة المصارف، كانت اولويتهم انتخاب اعضاء لمجلس محاكمة الرؤساء والوزراء، فهل هذا هو الموضوع الملح الذي ينهض البلد من سقوطه المدوي؟ ولكي لا تكون نتيجة الجلسة فشلاً على فشل تناولوا مشروع قانون السرية المصرفية واقروه بعد ادخال تعديلات عليه. لكي يقال انهم انتجوا.
لماذا تجاوز المجلس النيابي، كل هذه القوانين التي لا تحتمل التأجيل لينصرف الى تكوين مجلس محاكمة يحاكم بها نفسه بنفسه، هو في الحقيقة بدعة اخترعتها المنظومة كباب للهروب، تنقذ به المرتكبين والمتهمين من اعضائها. فهل تعتبر نفسها فوق القوانين، وفوق المحاكمة. ان الدستور ساوى بين اللبنانيين، فبماذا يتميز الوزراء عن افراد الشعب الذي اختارهم في الاساس؟ ان المنطق يفرض عليهم المثول امام القضاء العدلي كغيرهم من الناس. فلماذا هذا الهروب من المحاسبة؟ ثم ان قانون مجلس محاكمة الرؤساء يحدد الجرائم التي على مرتكبها ان يمثل امامه، وهي الخيانة العظمى، واقتراف الجريمة اثناء العمل، فهل ينطبق هذا على المتهمين الذين جرى استدعاؤهم للتحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟ بالطبع لا. وعليهم ان يلبوا الاستدعاء. الا انهم عطلوا عمل القضاء اكثر من سبعة اشهر بتقديمهم دعاوى كبلت يدي قاضي التحقيق طارق بيطار، وعطلوا القضاء. ثم جاءوا اليوم يشكلون محكمة منهم لمحاكمتهم. فهل هذا معقول؟ ان كانوا ابرياء كما يقولون فليمثلوا اليوم قبل الغد امام القضاء العدلي ويظهروا براءتهم ويعودوا الى مراكزهم مرفوعي الرأس، وان كانوا مذنبين فليدفعوا ثمن ارتكابهم.
ان المجلس النيابي على مدى عقود لم يثبت وجوده يوماً في قضايا مصيرية. لم يحاسب وزيراً ولم يسقط حكومة، ولا قام بعمل كان له الصدى في الاوساط السياسية والشعبية، فلماذا لا يثبت اليوم انه سيغير في اسلوب عمله؟ فتشكيل الحكومة معطل بسبب الخلاف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. والاتصالات بينهما مقطوعة، وكل منهما منصرف الى عمله بعيداً عن التشكيل، رغم ان البلاد تعيش في ظل حكومة تصريف اعمال، اي انها حكومة غير منتجة الا بالحد الادنى، في وقت يحتاج الوضع الى قرارات كبيرة وعاجلة. فلماذا لا يأخذ المجلس النيابي المبادرة، وهو الوحيد حالياً القادر على الانتاج، فيبادر الى التوجه نحو صندوق النقد الدولي، الباب الوحيد المتوفر اليوم لانهاض لبنان، ويسرع في اقرار القوانين التي تسهل توقيع الاتفاق مع الصندوق؟
صحيح ان التغيير لم يكن كاملاً. فالانتخابات نجحت جزئياً في وضع الخطوة الاولى، ويفترض بالذين اختارهم الشعب لتمثيله ان يلبوا طلباته، لا ان يتناسوا وعودهم، وليعلموا ان المحاسبة سيحين اوانها مهما طال الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق