رئيسيسياسة عربية

خلافات جذرية تسد طريق جنيف – 2

يوماً بعد يوم، يتأكد المتابعون لتطورات الملف السوري من صعوبة عقد مؤتمر «جنيف – 2» في الموعد المقترح، وصعوبة التوصل الى اتفاق ليس على موعده فقط، وانما على جدول اعماله، أو حتى الاطار العام الذي يفترض ان ينعقد على اساسه. فالاطار العام الذي يراه الاميركيون والروس مناسباً لعقد المؤتمر تراه اطراف الصراع مختلفاً، ويحمل الكثير الكثير من البذور الخلافية التي تؤسس الى قدر من الفرقة والى تنافر يجعلان عقد المؤتمر امراً صعباً.

يؤكد متابعون لمجريات العملية التي يفترض ان تتحول الى «سياسية» بدلاً من اطارها العسكري والامني، ان هناك قناعة لدى طرفي الصراع بان ما هو مطروح يقوم على فكرة «الاقصاء»، وهي الفكرة التي يتفق الطرفان على استبعادها ليس من باب الحرص على الآخر، وانما من باب الرغبة في تحقيق مكتسبات يعتقدان انها لا تتحقق للفريقين مجتمعين. بمعنى آخر، هناك اشتراطات مسبقة من كل طرف تكرس عملية التفرد، ولا تعترف بالآخر، وتصر على الغاء دوره، الامر الذي انتهى الى مشهد اقصائي يستحيل معه عقد المؤتمر.
فالمعارضة تتمسك برفض مشاركة النظام السوري، الا بدور هامشي ينتهي باعترافه بها، وباقرار بأنه لن يكون صاحب دور لا في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سوريا. بينما النظام يرى ان ذلك يعني مشاركة في «جنيف – 2» اطارها العام تسليم السلطة الى المعارضة. وفي كلتا الحالتين هناك رفض مطلق.
وفي السياق عينه هناك التزامات اميركية امام المعارضة بألا يكون للرئيس الاسد اي دور في المرحلة الانتقالية، وسط اشارات الى ان تتقاسم المعارضة والنظام ذلك الدور، وان يقتصر الاقصاء على الرئيس بشار الاسد.

نقاط خلافية
وحتى هذه النقطة تبقى خلافية حيث يراها النظام شرطاً مسبقاً، ويصر على رفضها وسط تأكيدات بأن من يحدد مستقبل سوريا هو الشعب السوري، ومن خلال صناديق الاقتراع التي تتسرب معلومات من اطراف عديدة ان الاسد عازم على خوض انتخابات 2014.
في تلك الاثناء، تشير التقارير المتواترة من مصادر محلية وخارجية الى وفاء النظام السوري بجميع متطلبات تدمير السلاح الكيماوي، وبصورة اقرب ما تكون من شهادات حسن السلوك.
يأتي ذلك، فيما ذكرت مسودة وثيقة ان الولايات المتحدة وروسيا تريدان ان تشحن سوريا مخزونها من المواد الكيماوية الفتاكة الى خارج البلاد بحلول نهاية العام الحالي لكنهما توقعتا تعذر الوفاء بالموعد المستهدف لتدميرها نهائياً في منتصف عام 2014.
وتدعو الوثيقة الى اخراج معظم المواد الكيماوية من البلاد في اقل من ثمانية اسابيع حتى 31  كانون الاول (ديسمبر) على ان تدمر منشآت الاسلحة الكيماوية الباقية مع بداية شهر اذار (مارس). اما التدمير النهائي لكل المواد السامة كما ورد في المسودة فيتم بحلول نهاية العام المقبل.
وعلى الارض، بدا واضحاً ان تغييرات جذرية بدأت تتشكل في ضوء ترتيبات تنظيم القاعدة التي نصت على «فكفكة» تنظيم دولة العراق والشام الاسلامية «داعش» واعادتها الى التنظيم الام، وسط تحليلات تشير الى عودة التركيز على البعد العراقي في المواجهة وهي الترتيبات التي اسست لمواجهات جديدة على الارض عنوانها استهداف «داعش» من قبل العديد من الاطراف العاملة في سوريا، بما في ذلك الاطراف المتنازعة.
فقد تناقلت التقارير عن مصادر في الجيش السوري الحر عن احتدام المواجهات في منطقة تل السمن في ريف الرقة (شمال وسط سوريا) بين الجيش الحر، وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش»، وانها أسفرت عن مقتل أحد أمراء داعش وخمسة عشر من عناصرها اضافة إلى عشرين معتقلاً بينما تكبد الجيش الحر عشرة قتلى وأربعة مخطوفين.
وبحسب التقارير، طلبت ستة ألوية وكتائب أساسية مقاتلة ضد النظام أبرزها «حركة أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«لواء التوحيد» من اعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سحب قواتها وآلياتها من المنطقة.
وإلى جانب المعارك المستمرة بين مقاتلي داعش ولواء عاصفة الشمال وكتائب الجيش الحر خصوصاً منذ انتزاع داعش السيطرة على مدينة إعزاز القريبة من الحدود التركية، من الجيش الحر في بداية تشرين الأول (أكتوبر)، يخوض مقاتلو داعش منذ أكثر من شهرين مواجهات شبه يومية في محافظتي الرقة والحسكة مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي.
وبالتزامن، قال مصدر عسكري عراقي، إن قوات امنية خاصة بدأت عملية واسعة في صحراء الانبار المحاذية للحدود السورية لضرب معاقل تنظيم القاعدة وعناصر الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش»، الذين بدأوا بتنفيذ اعمال عنف في مناطق مختلفة من البلاد.

لقاء استنبول
في تلك الاثناء، وخلال اجتماع لائتلاف المعارضة السورية عقد في استنبول، كرر الائتلاف انه لن يشارك في مؤتمر سلام مرتقب في جنيف الا بعد مبادرات من نظام دمشق وحليفته روسيا، وذلك في اليوم الاول من اجتماعه في استنبول.
واعرب المتحدث باسم الائتلاف خالد الصالح في تصريحات صحافية عن خشيته من عدم جدية النظام في تطبيق متطلبات المؤتمر. مشيراً الى ان الرئيس الاسد سيحاول كسب الوقت وقتل المزيد من المدنيين. واشترط الصالح على جميع الاطراف التحلي بالجدية، مشيراً الى ان هذا المطلب يندرج على النظام السوري وعلى حليفته روسيا. وطالب بأن يمارس الروس ضغوطاً قوية على دمشق، مذكراً بانهم تمكنوا من فرض تفكيك اسلحة سوريا الكيميائية.
من جهته قال أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض في جلسة مغلقة أمام اجتماع استنبول، ان الائتلاف يتعرض الى ضغوط من اجل المشاركة في مؤتمر «جنيف – 2»، لافتاً إلى وجود توافق دولي على هذا المؤتمر. لكنه اكد التزامه بقرار الائتلاف. وأكدت مصادر من داخل الاجتماعات المغلقة لقادة الكتل، أن الاجتماع الذي احتل حيزاً كبيراً شهد تبايناً في وجهات النظر حول أمور جوهرية عدة من بينها «جنيف – 2» والحكومة المؤقتة.
وقال الجربا ان الائتلاف ما زال ينتظر دعوة رسمية من الأمم المتحدة لحضور مؤتمر «جنيف – 2»، مشدداً على أن الأمم المتحدة هي الراعي الوحيد لهذا المؤتمر. الا ان اوساطاً متابعة اشارت الى خلافات جذرية في اروقة المؤتمر تعزز الفرضية التي تشير الى صعوبة انعقاده هذا العام، وتشير الى احتمال ترحيله الى العام المقبل.

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق