سياسة لبنانية

معركة جرود عرسال تتمة لـ «معركة القلمون» والجيش حدد موقعه

آخر إطلالة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله هدفت الى أمرين متلازمين: الأول هو إعلان الانتصار في معركة القلمون المفتوحة وباتت في حكم المنتهية… والثاني هو الإعلان عن تتمة وتكملة لمعركة القلمون في جرود عرسال التي أصبحت ملاذاً وتجمعاً للمسلحين… ومثلما أطلق السيد نصرالله الإشارة الأولى لمعركة القلمون قبل أشهر (عندما تحدث في شباط الماضي عن معركة ما بعد ذوبان الثلج)، فإنه يطلق الآن الإشارة الأولى لمعركة عرسال وجرودها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك أن هذه المعركة آتية ولا ينقصها إلا التوقيت، وأن القرار في شأنها قد اتخذ…

تحدث نصرالله عن مرحلة انتهت ومرحلة بدأت ملمحاً الى معركة جرود عرسال بإشارته الى «يوم سيأتي لا يكون فيه جماعات إرهابية لا في جرودنا ولا على حدودنا ولا على بوابات قرانا ومدننا»، متوجهاً الى كل من يعنيه الأمر في الدولة (الحكومة والجيش) والقوى السياسية خصوصا تيار المستقبل بأن القرار متخذ ولا خطوط حمر والتهويل والوعيد والتهديد لن يقدم أو يؤخر، فإن لم تبادروا، هناك من سيبادر. وإذا كانت الدولة تتسامح مع احتلال جماعات إرهابية، فإن شعب لبنان والبقاع وأهل بعلبك – الهرمل خصوصاً لن يتسامحوا… وفي تفصيل هذه المرحلة التي بدأت وتبدو على قدر كبير من الحساسية والخطورة، تشرح مصادر واسعة الاطلاع الواقع «ما بعد معركة القلمون وما قبل معركة عرسال» وتفصله على الشكل الاتي:
1- سيطرة حزب الله على تلال استراتيجية في القلمون جاءت سريعة ومن دون كلفة مرتفعة نتيجة التدهور السريع في وضع المسلحين وانهيار معنوياتهم ودفاعاتهم. ويبدو أن حزب الله فوجىء بالانهيار السريع لمجموعات «النصرة»…
2- المسلحون انسحبوا الى جرود عرسال التي يتواجد فيها نحو ألفي مقاتل من المعارضة انضووا شكلياً تحت راية «جيش الفتح»… وهؤلاء انسحبوا من جرود نحله ويونين اللبنانية ويتمركزون حالياً في المنطقة الجردية اللبنانية التابعة لعرسال ورأس بعلبك وتتصل  من عرسال الى جرود فليطا السورية، فيما تتصل من رأس بعلبك في البقاع الشمالي بجرود النعيمات والقاع وحسيا السورية، حتى ريف القصير المتصل بجرود قارة السورية الواقعة في أقصى شمال ريف دمشق.
3- الضغوط العسكرية والميدانية باتجاه جرود عرسال المحاصرة تضع المسلحين فيها أمام خيارات محددة أبرزها:
– شن هجمات ارتدادية ومفاجئة لاسترداد مواقع وكسر الحصار…
– الانسحاب بشكل إفرادي من جرود عرسال باتجاه الداخل السوري ونحو بادية حمص…
– الانسحاب بشكل جماعي (مواكب) باتجاه الداخل السوري. وهذا غير ممكن إلا من خلال «تسوية» أو «صفقة» كالتي يجري الحديث عنها حالياً (فتح ممرات آمنة لمسلحي القلمون الشمالي للانتقال الى مناطق سورية أخرى، بموجب صفقة تؤدي الى الإفراج عن العسكريين المخطوفين وتقفل ملف عرسال المشتعل)، وتتطلب مبادرة أو جهوداً إيرانية – تركية وموافقة النظام السوري.
– الانسحاب غرباً نحو عرسال وهذا ينطوي على مخاطر واحتمالات احتلال أجزاء من عرسال واللجوء الى مخيمات وتجمعات النازحين فيها واستهداف الجيش اللبناني المنتشر في المنطقة ومحاولة التسلل الى داخل الأراضي اللبنانية…
4- الوضع الميداني الذي سينشأ في عرسال وجرودها بعد معركة القلمون يضع ثلاثة أطراف أساسية أمام تحديات واختبارات وقرارات صعبة:
– الحكومة المنقسمة حول معركة القلمون وطبيعتها وظروفها ونتائجها النهائية.
-الجيش اللبناني الذي يتبع للقرار السياسي قرار السلطة السياسية المتمثلة في الحكومة. وهذا القرار هو حتى الآن «النأي بالنفس» ورفض أي شكل من أشكال التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري ورفض تغطية أي معركة لحزب الله في جرود عرسال واقتصار مهمة الجيش على الدفاع عن نفسه ومواقعه وعن الحدود والتصدي لهجمات المسلحين وعمليات التسلل إذا حصلت باتجاه عرسال.
– تيار المستقبل الذي اتهمه نصرالله ضمنا بأنه داعم للمسلحين الذين يصفهم بالثوار، والذي يدرج معركة القلمون في نطاق الصراع السوري الدائر بين النظام والمعارضة وتعديل ميزان القوى فيه والتعويض عن نكسات النظام، فيما حزب الله يدرجها في إطار الحرب المفتوحة على الإرهاب والتي يعتبر المستقبل شريكا فيها وملتزماً بها…
الوضع في جرود عرسال بعد انتهاء القسم الأهم من معركة القلمون بات واقعاً تحت ضغوط ميدانية وسياسية هائلة، وبات المصدر الأول للقلق والهواجس في الداخل اللبناني. سيكون هذا الوضع بنداً أساسياً على طاولة مجلس الوزراء، وستكون الحكومة مضطرة لتغيير جدول أعمالها وقطع البحث  الجاري في مشروع الموازنة، وسيكون من الصعب على رئيسها تجاهل موضوع عرسال في ظل الضغوط والمخاوف المتدفقة من هنا وهناك.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان وجه إشعاراً الى كل من يهمه الأمر بأن معركة القلمون لن تقف عند هذا الحد وستسكمل في جرود عرسال مع الدولة أو من دونها… العماد ميشال عون دعا الجيش اللبناني الى تحمل مسؤولياته في عرسال وعدم تكرار الخطأ الذي حصل العام الماضي… تيار المستقبل أثار الموضوع على طاولة الحوار مع حزب الله مستفسراً منه عن تهديده بخوض معارك في جرود عرسال إذا لم يتول الجيش طرد المسلحين، ومعتبراً أن هذا الكلام له تداعياته ويسبب المزيد من الاحتقان الذي يسعى الحوار الى خفضه ومقترحاً نقل مخيمات النازحين التي يمكن أن يحتمي بها المسلحون…
تيار المستقبل أثار الموضوع أيضاً في لقائه الاستثنائي مع قائد الجيش العماد جان قهوجي وحصل منه على تطمينات وتوضيحات وتأكيدات يمكن اختصارها في النقاط الاتية:
– الوضع في جرود عرسال تحت السيطرة والمراقبة الدائمة. وحدات الجيش في جهوزية تامة و«نقوم بواجباتنا”» على أكل وجه.
– الجيش باقٍ في مواقعه هناك لمنع أي خرق من هؤلاء ولحفظ الحدود، وهو ملتزم قرار مجلس الوزراء في هذا الشأن.
– الجيش يراقب تحركات المسلحين في الجرود اللبنانية بشكل متواصل عبر الطائرات المتخصصة التي يسيّرها دوريا في أجواء المنطقة. والأسلحة الجديدة التي تصل تباعاً الى المؤسسة العسكرية تساهم بفاعلية في تمكين الجيش من القيام بدوره.
– دور الجيش هو في إطار رصد ومكافحة المجموعات الإرهابية والتصدي لمحاولات تسلل أو تقدم أي من مسلحيها باتجاه المنطقة الحدودية.
– الجيش سيحمي الاستقرار ولن يكون طرفاً يُزج في المعارك، بل دوره يقتصر على حماية الحدود وحماية السلم الأهلي.
وخلص قائد الجيش الى التشديد أمام وفد «المستقبل» قائلاً: نحن نسيطر على المنطقة «وما فيهم يعملوا شي».
مصادر عسكرية قريبة من قيادة الجيش توضح في هذا المجال أن الجيش قام في الآونة الأخيرة برفع حال الاستنفار والجهوزية الى أقصى درجة لدى وحداته المنتشرة على الحدود، والهدف حماية الحدود واحتواء نتائج المعركة، لا سيما إقفال الطريق على المسلحين الفارين من جرود القلمون، ومنعهم من التسلل الى الجانب اللبناني، وتحديدا الى بلدة عرسال. وقرار القيادة العسكرية كان صارماً في هذا المجال: «ممنوع عبور الإرهابيين الى الجانب اللبناني أو الاقتراب من الحدود اللبنانية مهما كلف الأمر».
وتضيف هذه المصادر أن الجيش لم يكن طرفاً في معركة القلمون ومعركته هي على امتداد الجبهة الممتدة من عرسال الى رأس بعلبك والقاع في إطار حربه المفتوحة ضد الإرهاب، والتي يخوضها على جبهتين: الجبهة الحدودية مع سوريا، والجبهة الداخلية عبر مطاردة الشبكات والخلايات الإرهابية… وهذه الحرب لا تهاون ولا تراخٍ فيها لأنها حرب حماية لبنان وأمنه واستقراره وحدوده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق