أبرز الأخبار

حرب البراميل: تصفيات “لا انسانية” ومشاريع امر واقع

ما بين دمشق، وجنيف، وموسكو، وواشنطن، والعديد من العواصم العربية والعالمية، يبدو التركيز واضحاً على الابعاد السياسية في الملف السوري. وترتكز المناقشات على كم من المرتكزات السياسية كوصفة يعتقد اصحابها انها اساس لحل الاشكالات الانسانية.

غير ان تلك الرؤية، والتي ترجمت الى ممارسات على الارض، والى واقع معاش، تتقاطع مع رؤية الاشخاص الطبيعيين الذين يكتوون بالنار، ويعانون الجوع والقتل والتشريد وغيرها. ذلك ان النتيجة المباشرة لتفاعلات السياسة والامن اعمال قتل مباشرة. ومحصلة تزيد عن 150 الف قتيل، ونصف مليون جريح، وملايين المشردين الى جميع انحاء العالم. من هنا يعتقد بعض المتابعين انه لا بد من الفصل بين العاملين الانساني والعسكري. وفي اسوأ الاحوال ان يصار الى تحسين العناصر الامنية في تلك المواجهة القذرة، والتي يجمع متابعوها على انها قد تكون الاكثر سوءاً في صراعات هذا القرن، وفي حراكات الربيع العربي. خصوصاً ان تعقيداتها زادت وتشعبت، وصولاً الى تعدد اطراف الصراع وتعقيدات المواجهة والى مستوى الغموض.

مأساة إنسانية
كيف؟
انتهت الجولة الاولى من” جنيف-2 “ دون ان تترك اية بصمة على الارض، و خصوصاً في المجالات الانسانية، التي كانت مرشحة للتحسن طبقاً لتوقعات متابعين توقفوا عند تقديم ذلك الملف على ما سواه، وتعاملوا مع معلومات وارقام اشارت الى عمق المأساة الانسانية على امتداد الارض السورية. ولخصت حجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوري، وبشكل اكثر تركيزاً في محافظة حلب، وفي مناطق حمص والقلمون، والتي اصبحت البراميل المتفجرة عنواناً ليس لمواجهاتها فقط، وانما لمأساتها الكبرى. فالتقارير تتحدث عن مئات القتلى والاف الجرحى نتيجة لقصف مناطق بتلك البراميل التي يعتقد ان جيش النظام يلجأ اليها بسبب سهولة تصنيعها، وانخفاض كلفتها، وقدرتها الكبيرة على التدمير والقتل. و اللافت في هذا المجال، ان عمق المأساة لم يشفع للمتضررين، ولم يدفع الى التوصل الى نتائج على الارض من شأنها ان تخفف من عمليات التجويع، والقتل التي تتواصل على مدار الساعة. فالمعارضة التي وافقت على تقديم العامل الانساني على باقي الملفات، لم تحاول اعادة ترتيب اولوياتها للدفع بالبعد الانساني لكي يكون الملف الاول على تلك الاجندة. وفي المقابل ربط وفد النظام بين العامل الانساني وملف مكافحة الارهاب. فكانت النتيجة مباحثات انسانية لم تنجح، ومعلومات وخططاً لم تطبق على الارض، بما في ذلك مسألة فك الحصار عن مدينة حمص، والسماح لأهلها بالمغادرة، وفتح قنوات انسانية للعديد من المناطق، والتي تحولت الى قرارات في اروقة المؤتمر، وفي كواليسه، لكنها لم تر النور على ارض الواقع . محللون يربطون بين تلك النتيجة، وما تسرب من معلومات تتعلق بالقرار الاميركي لتسليح المعارضة وتزويدها بكم من الوسائل الدفاعية، الى جانب المعلومات المتسربة عن وصول طائرات تحمل معدات واسلحة الى مطار المفرق العسكري في الاردن، ومن ثم ايصالها الى المعارضة. وهي الخطوة التي اعتبرتها واشنطن بمثابة رسالة “طمأنة”، بينما اعتبرتها المعارضة “عربون حسن نوايا”. وفي مسار آخر، الخلافات داخل المعارضة، والتي تطورت الى خصومات، ومواجهات، ومشاريع تصفية تدخل جميعها ضمن الحسابات الاميركية، وضمن مشروعها الرامي الى دفع الاطراف المعارضة في صفوف المعارضة لتصفية رموز التطرف، والذين يصل تعدادهم الى الآلاف، ويندرجون ضمن تنظيمات في رأسها تنظيم داعش. المعطيات التي يجري التعاطي معها سياسياً، ويجري تداولها على مستوى التحليل السياسي، يراها البعض محوراً للعملية التي تجمع ما بين العاملين السياسي والعسكري، لكنها من وجهة نظر الشارع السوري مجرد محاولات للتهرب من استحقاقات السلام، ومن متطلبات العملية الانسانية التي يفترض ان تحظى بالاولوية لدى مختلف الاطراف. ومع التركيز على ما يجري في مناطق عديدة من انحاء سوريا، تقفز الى الواجهة مأساة حلب، التي يجمع المتابعون على خطورة وضعها.

وضع حلب كارثي
 فقد وصفت منظمة “أطباء العالم” الوضع الطبي في مدينة حلب بالكارثي، إثر الغارات الجوية التي يقوم بها الجيش السوري على بعض الاحياء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في هذه المدينة، ما ادى إلى مقتل اكثر من 500 شخص خلال 15 يوماً. وجاء في بيان صادر عن المنظمة أن الاطباء المتعاملين معها في مدينة حلب يؤكدون نقل عدد كبير من الجرحى إلى مستشفيات المدينة، وأن صور الجرحى والجثث التي وصلت إلى المنظمة تكشف أن النساء والاطفال يمثلون أكثر من ثلثي الجرحى، وأن الكثيرين منهم تعرضوا لبتر اعضاء. ونقل البيان عن طبيب سوري قوله أن هذا القصف الجوي اسوأ من الاسلحة الكيميائية، في اشارة الى تمزق بعض الجثث. وأضاف بيان “اطباء العالم”: ان هذا الهجوم الدامي الذي يشن ببراميل تحشى بمادة تي. أن. تي. يستهدف مناطق سكنية أو اماكن عامة مثل المدارس والاسواق والمستشفيات. وان غالبية المستشفيات عاجزة عن استقبال المزيد من الجرحى، وتفتقر إلى المعدات الطبية اللازمة، كما أن سيارات الاسعاف دمرت أو تضررت أو فرغت من الوقود. وافادت المنظمة انها ارسلت خلال المرحلة الاخيرة معدات تستخدم في العمليات الجراحية، اتاحت القيام بنحو 150 عملية جراحية، إضافة إلى أدوية و20 ألف وحدة دم. ودعت اطراف النزاع إلى عدم استهداف السكان المدنيين والمستشفيات. ودان العديد من الدول الغربية والمنظمات الانسانية الدولية قصف مدينة حلب بالبراميل المتفجرة. وكان المرصد السوري لحقوق الانسان ندد بالقصف الجوي اليومي بـ«البراميل المتفجرة” لاحياء في حلب، وبعض قرى ريفها من قبل طيران الجيش السوري. الى ذلك، تشهد مدينة حلب نزوحاً جماعياً من أحياء خاضعة لسيطرة المعارضة نحو تركيا أولاً، ونحو أحياء واقعة تحت سيطرة النظام السوري، هرباً من الموت بالبراميل المتفجرة، وسط قراءات تشير الى أن المخطط العسكري النظامي السوري يهدف الى إفراغ المناطق الخاضعة للمعارضة من المدنيين، ليسهل تدميرها من دون ضوضاء المجتمع الدولي، وتحليلات تصب ضمن اطار الاعتقاد بأن المخطط في طريقه إلى النجاح، مع موجات كبيرة من النزوح تشهدها هذه المناطق، تحت وطأة القصف العنيف بالبراميل المتفجرة. وأفاد ناشطون سوريون بأن عشرات العائلات الحلبية تنزح من الأحياء التي يسيطر عليها عناصر المعارضة المسلحة، بإتجاه أحياء تسيطر عليها القوات الحكومية، هرباً من القصف الحكومي المتواصل على أحيائها،  على مدى ايام عدة على التوالي، والذي تسبب بمقتل أكثر من 120 شخصاً خلال ثلاثة ايام، جلهم من المدنيين. وقال ناشطون إن المستشفيات الميدانية تستغيث لأنها عجزت عن استيعاب المئات من الجرحى الذين يصلون إليها يومياً، نتيجة القصف المستمر. وأكد مركز حلب الإعلامي استمرار النزوح، وقال إن أحياء الميسر والمرجة والجزماتي والمعصرانية باتت أحياء أشباح، وإن أحد البراميل أصاب جامع عثمان بن عفان الذي يضم مدرسة للأطفال في منطقة العمالية في حي مساكن هنانو، ما أوقع قتلى بين الأطفال، وأدى إلى انهيار معظم الجامع.  

البراميل المتفجرة
وفي هذه الاثناء، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان: إن جيش النظام قصف بالبراميل المتفجرة مناطق دوار الصالحين في مدخل حي المرجة، ودوار الحاووز، وحي الجزماتي، وأحياء القطانة والشعار ومساكن هنانو. في حين استهدفت الكتائب المقاتلة بقذائف الهاون حي الميدان في حلب، الواقع تحت سيطرة النظام. ووفقاً لمدير المرصد رامي عبد الرحمن نجح بعض سكان الاحياء الشرقية من حلب في  الانتقال إلى تركيا، وان قسماً كبيراً منهم، وبسبب المعارك الجارية في مناطق عدة من ريف حلب بين الدولة الاسلامية في العراق والشام وكتائب مقاتلة، لم يكن امامهم أي ملاذ سوى التوجه الى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في غرب المدينة. واشار تقرير اصدره المرصد السوري الى أن كانون الثاني ( يناير) الفائت، كان الاكثر دموية منذ انطلاقة الثورة السورية، حيث سجل خلاله مقتل 5794 شخصاً، بينهم 3013 مدنياً، محملاً النظام السوري المسؤولية الاولى عن هذا التزايد الواضح بالخسائر البشرية، بسبب استمراره في استخدام جميع أنواع الاسلحة في استهداف المناطق المدنية والمرافق العامة والمشافي وآليات تقل مدنيين. واعتبر المرصد أن المجتمع الدولي شريك رئيس في إراقة الدم السوري، والتزايد اليومي في اعداد الضحايا بسبب صمته المخيف عن هذه الجرائم التي ترتكب في سوريا، مجدداً المطالبة بإحالة ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب السوري على محكمة الجنايات الدولية. ولفت المرصد إلى أن حصيلة القتلى في المعارك الدائرة بين تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ومقاتلين من كتائب اخرى معارضة للنظام في مناطق عدة من سوريا، بلغت 1747 قتيلاً، منذ اندلاعها في مطلع كانون الاول (ديسمبر) 2013
.
كيري يندد
من جهته، ندد وزير الخارجية الاميركي جون كيري بالاستخدام “الوحشي” للبراميل المتفجرة من قبل نظام الرئيس السوري بشار الاسد في مناطق عدة من سوريا، خصوصاً في حلب. وقال كيري في وصف ما حدث، انه “بمواصلة استخدام البراميل المتفجرة في قصف حلب، فان نظام الاسد يكشف عن وجهه الحقيقي امام العالم”.وتابع في بيان اصدره حول مجريات الاوضاع هناك: “ان آخر عمل وحشي يقوم به نظام هو اللجوء الى التعذيب بشكل مكثف ومنظم، وقبل ذلك استخدام الاسلحة الكيميائية. مضيفاً ان النظام يعمل على تجويع مجموعات كاملة عبر منع ايصال المواد الغذائية الى المدنيين السوريين الذين هم بأمسّ الحاجة اليها. وخلص كيري الى القول في بيانه “امام هذا الواقع المريع لا يمكن للشعب السوري على الاطلاق ان يوافق على حكومة شرعية يكون الاسد جزءاً منها”، في اشارة الى مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة والتي يفترض ان تؤدي الى تشكيل هيئة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة تتسلم السلطة في سوريا. وفي الملف الانساني ايضاً، دعت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل عقب محادثات مع رئيس الوزراء التركي الزائر رجب طيب اردوغان يوم الثلاثاء الفائت، مجلس الامن الدولي الى المزيد من الوحدة في الاستجابة الى معاناة اللاجئين السوريين، والتي وصفاها بانها” لا يمكن تخيلها”. وصرحت ميركل في مؤتمر صحافي مشترك مع اردوغان انه يجب اجراء محادثات مع روسيا والصين وكذلك مع ايران، العضو غير الدائم في مجلس الامن، لمساعدة الفارين من النزاع المستمر في سوريا منذ نحو ثلاث سنوات. واكدت ميركل، ان التطورات في سوريا غير مقبولة، وانها تسعى الى توحيد المجتمع الدولي في نظرته الى الملف الانساني، والتعامل معه. ووجهت نقداً الى محادثات السلام التي جرت في جنيف خلال الشهر الماضي، واكدت انها لم توفر الدعم الانساني المأمول. ووعدت بإجراء حوار مع كل من روسيا والصين والبقاء على  اتصال مع ايران للتنسيق في ما يخص الموضوع الانساني للسوريين.

اصلاح مجلس الامن
 من جهته، دعا اردوغان الذي يزور المانيا، الى اصلاح مجلس الامن الدولي بحيث لا تتمكن احدى الدول الدائمة العضوية فيه من منع القيام باي تحرك ضروري.
المدققون في تفاصيل المشهد يعيدون النظر في اولويات هذا الملف، فاضافة الى ملايين المشردين واللاجئين، هناك ملايين الجياع وغير القادرين على تأمين العلاج اللازم. ما يعني توقعات بتوجيه الحراك الدولي نحو العامل الانساني دون اغفال الابعاد الاخرى. ويبدو ان بعض الدول طورت من مشاريعها بهذا الاتجاه املاً ببلورتها قريباً الى ممارسات قابلة للتطبيق، اولها العمل على وقف اطلاق النار، وبالتالي وقف اعمال القتل المتواصلة والسماح ببوابات انسانية.

ا.ح

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق