رئيسيسياسة عربية

ما هي ارتدادات الضربة المحتملة ضد سوريا على القضية الفلسطينية؟

اي مصير ينتظر القضية الفلسطينية في حال نفذ الغرب تهديداته لسوريا، ووجه اليها ضربة عسكرية موجعة؟ سؤال يدور في العديد من الكواليس والاوساط السياسية المعنية، ولكنه يطرح بالحاح اكثر على بساط البحث لدى الفلسطينيين على اختلاف ميولهم وانتماءاتهم، اذ يثار لدى اوساط السلطة الفلسطينية ومن يسير في فلكها، بالمقدار نفسه الذي يثار فيه لدى حركة «حماس»، ومن سار في ركاب توجهاتها، لان الوعد الغربي لدمشق ان تحقق، سيترك ولا ريب تداعيات وارتدادات على القضية المركزية للعرب بصرف النظر عن مآلها ونتائجها وحصيلتها.

المراقبون للشأن الفلسطيني يعودون بذاكرتهم في هذه المرحلة ولا شك الى انعكاسات احداث ذات صبغة كبيرة حدثت في المنطقة منذ عام 1990 وحتى الامس القريب.
وفي هذا الاطار يتذكرون الانعكاسات السلبية وحرب الخلي
ج الثانية على الوضع الفلسطيني عموماً، واستطراداً على موضوع الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.
فعندما نفذ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين اجتياحه الشهير لاراضي الكويت في ذلك العام المشؤوم، ابدى الفلسطينيون عموماً انحيازاً وتعاطفاً مع بغداد وفعلتها الشنعاء في ذلك الحين، وهو تعاطف ازداد منسوبه عندما بدأ التحالف الدولي الذي قادته واشنطن في حربها على القوات العراقية الغازية للكويت،
لا سيما بعدما اطلقت بغداد عشرات الصواريخ الثقيلة على اسرائيل.
انهزم صدام وانسحب من الكويت، ولكن الفلسطينيين او بالاخص الزعيم الفلسطيني التاريخي الذي كان حياً يومذاك ياسر عرفات دفعوا الثمن الاكبر وعزلة وحجب اموال وطرداً للفلسطينيين من الكويت ومن دول خليجية اخرى.

الثمن الاكبر
والثمن الاكبر الذي دفعه الفلسطينيون يومذاك هو التأثير على انتفاضتهم الاولى (انتفاضة الحجارة) التي كانت في ذلك الحين في ذروة انطلاقتها وفي ذروة تعاطف العالم مع ما يكابده الشعب الفلسطيني من جراء الاضطهاد والقمع الوحشي الاسرائيلي.
خف وهج الانتفاضة وأوشك على ان ينطفىء وتضيع في معمعة الحدث العس
كري الكبير في ذلك الحين، ولا سيما ان اسرائيل نجحت الى حد بعيد في وضع الشعب الفلسطيني المضطهد في خانة الحليف والموالي للنظام العراقي الذي كان يومها في ذروة عزلته وانحداره وحصاره.
وثمة من يرى ان هذا المناخ السيىء الذي احاط بالقضية الفلسطينية وبمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت يومذاك شريدة وموزعة في عواصم عربية  هي (تونس، الجزائر، اليمن، سوريا ولبنان) هو ما دفع عرفات الى البدء سراً بمفاوض
ات اوسلو التي انتهت الى توقيعه اتفاقية اوسلو الشهيرة في عام 1993، والتي ظلت حتى اليوم موضع انقسام بين من يعتبر انها انجاز ضخم اعاد الفلسطيني الى داخل فلسطين ومن يعتبر انها انتكاسة كبرى في مسار رحلة النضال الفلسطيني الطويلة والشاقة.
ثم اتى حدث 11
ايلول (سبتمبر) عام 2001، وما تلاه والذي افتعله تنظيم «القاعدة»، ليترك ايضاً انعكاسات سلبية على مسار النضال الفلسطيني. فعندما اقتحمت الطائرات مركز التجارة العالمي في نيويورك، كانت الانتفاضة الفلسطينية الاخيرة والتي عرفت بـ «انتفاضة الاقصى» في ذروة انطلاقتها.
وهكذا جاءت احداث 11 ايلول (سبتمبر) لتأخذ من وهج هذه الانتفاضة، ولا سيما بعدما نجحت اسرائيل في ايجاد روابط امام الرأي العام العالمي المستفز ضد العرب والاسلام في ذلك الحين، بين الانتفاضة وما تفعله، وما قام به تنظيم «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن من فعل ارهابي مستنكر ليس في مقدور احد الدفاع عنه.
ومنذ ذلك الحين، اخذت الانتفاضة بالتراجع ونجح رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارييل شارون في محاصرة عرفات في مقره في المقاطعة في رام الله لاشهر عدة، قبل ان
يخرج منها الى باريس ليلاقي وجه ربه وتلج معه المسألة الفلسطينية عتبة مرحلة اخرى من مراحلها الصعبة، ما برحت تتوالى فصولاً حتى اليوم.

وعي فلسطيني
ورغم ان الفلسطينيين على اختلاف ميولهم كانوا واعين هذه المرة، اي بالنسبة الى التهديد الغربي لسوريا، فلا هم بدوا متحمسين مع النظام في سوريا، ولا هم ابدوا رغبة في الدخول المباشر في الصراع داخل سوريا، ولا هم ايضاً بدوا شامتين بنظام الرئيس السوري بشار الاسد، اذ اتقنوا الى حد بعيد لعبة النأي بالنفس والحياد لدرجة ان الفلسطينيين غابوا عن المشهد السوري وتداعياته، منذ عامين ونصف العام مع بعض الاستثناءات والخروق، بعدما سلطت الاضواء على دور مزعوم لحركة «حماس» في دعم المعارضة على الساحة السورية. على رغم ذلك فإن ما من احد في امكانه عدم الاخذ بعين الاعتبار ما يمكن ان تعكسه الضربة المحتملة والموعودة على سوريا على مسار القضية الفلسطينية عموماً.
 وقبل فترة قصيرة ومع اشتداد قرع طبول الحرب الغربية على سوريا، نهض من بين الفلسطينيين من يحمّل الكيان الصهيوني مسؤولية اي تداعيات تحدث من جراء هذه الحرب المحتملة على سوريا على الشعب الفلسطيني، وطالب على سبيل المثال بتزويد الشعب الفلسطيني بأقنعة واقية من الغازات.
الامر ربما يراه البعض عاب
راً، او من باب التذكير بوجود الشعب الفلسطيني، ولكن ثمة من المتخصصين بالصراع العربي – الاسرائيلي وتشعباته وخفاياه من بدأوا يذهبون في تحليلاتهم واستتباعاً في مخاوفهم من احتمالات تداعيات الضربة الغربية على وضع القضية الفلسطينية الى ابعد من حدود الخوف والتكهن، بل شرعوا بوضع جدول للاحتمالات والحسابات السلبية الممكن حصولها.
اذ بدأ هؤلاء المختصون يتحدثون عن الروابط الخفية والمتزامنة مع معاودة المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية، وبين التلويح الاميركي والغربي عموماً بتوجيه الضربة العسكرية الى سوريا تحت ذريعة تأديب نظامها لاستخدامه السلاح الكيماوي في مواجهته المجموعات المعارضة له، وخصوصاً انه سرت معلومات مفادها ان الضربة المحتملة لسوريا هي الثمن الذي وعد به الرئيس الاميركي باراك اوباما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لكي ينضم مجدداً الى طاولة التفاوض مع الجانب الفلسطيني ويستأنف ما انقطع.

 رؤية
وبمعنى آخر، هناك من يقول وبشكل اكثر وضوحاً ان الثمن الذي طلبه نتانياهو ووعد اوباما بإعطائه له، هو رأس النظام في سوريا، وتمهيداً لاسقاط المحور الذي تنضوي فيه دمشق والذي يضم ايران و«حزب الله» وبعض الفصائل الفلسطينية وجانباً من العراقيين. (ولكن فات هؤلاء ان اسرائيل عارضت بشدة ومنذ بدء التحرك السوري، التعرض للنظام ولرئيسه).
المتبنون لهذه الرؤية، او على
الاقل الذين تستوقفهم، باتوا يتخوفون من ان يكون الغبار الكثيف الاسود والنيران الملتهبة التي ستخلفها الضربة الغربية لسوريا، هما الغطاء لتمرير اتفاقات جديدة مجحفة ومكتسبة بين المفاوض الفلسطيني والجانب الاسرائيلي، ولا سيما شطب موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وهي احدى ابرز العقد التي حالت في السابق دون استكمال تطبيق اتفاق اوسلو وملحقاته.
وما من شك في ان المتخوفين من مثل هذا الامر ازداد قلقهم، وخصوصاً بعدما نجح المتفاوضون ورعاتهم في ان يبقوا جلسات تفاوضهم ومساراتها بعيدة عن الانظار بمنأى عن الاعلام، ولا سيما ان انظار العالم كله متجهة نحو الساحة السورية لترصد مسار التطورات الدراماتيكية المحتملة.
ومما زاد من منسوب القلق ووتيرة المخاوف ان المفاوض الفلسطيني يذهب الى المفاوضات من دون اصدار اي صوت او اعترا
ض كما كان يفعل في المحطات المماثلة السابقة، حيث كان الصراخ واعلاء الصوت، جزءاً من اسلحته المشروعة لجبه الضغوط الاسرائيلية عليه لحمله على القبول بما يتعارض مع منطلقاته وثوابته، والآمال التي يعقدها عليه الشعب الفلسطيني.
اضافة الى ذلك، فإن ثمة حذراً كبيراً لدى اوساط فلسطينية من هذه الضغوط والحصارات التي تفرض على حركة «حماس» في غزة على وجه التحديد، بغية جعلها تغرق في مشاكلها الداخلية وفي صراعاتها المتوالية مع السلطة الفلسطينية وعمودها الفقري حركة «فتح».

«حماس» في وضع صعب
فالمعلوم ان «حماس» وبعد سقوط حكم الاخوان المسلمين في القاهرة، تعيش فعلاً علاقات صعبة ومتوترة مع الحكام الجدد في العاصمة المصرية وقد باتوا يحسبونها من «تركة» نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، وبالتالي شرعوا في معاقبتها وتأديبها انطلاقاً من هذه القناعة، فكانت الاتهامات المتعددة الموجهة لها، وكانت عملية ردم الانفاق بين سيناء وغزة.
اخيراً وليس اخراً، المنطقة العازلة التي شرعت القاهرة بالعمل فيها بين سيناء والقطاع الذي تحتكر الحركة الاسلامية السلطة فيه منذ عام 2007 وحتى اليوم.
ربما لا يقصد النظام المصري الحالي محاصرة الحركة في دويلتها خدمة للمفاوضات الجارية او كرمى لعيون اسرائيل، ولكن هذه الممارسات والتدابير المقرونة بحملة اعلامية مصرية وجهت اصابع الاتهام للحركة على اساس انها شريكة في «مؤامرات» «الاخوان المسلمين»، ومحاولاتهم المتكررة لاسترداد الحكم في مصر وايوائهم الرؤوس المدبرة، مما جعل الحركة في وضع من الارباك لا تحسد عليه اطلاقاً، ومعها تبذل جهوداً مكثفة ومضنية للخروج من حالة العزلة التي فرضت عليها عبر اطلاق الشعارات والدعوات للظهور في مظهر الراغب بمشاركة الاخرين في حكم غزة.
والواضح في الايام القليلة الماضية، ان غالبية الفصائل الفلسطينية غير «فتح» استشعرت فعلاً ما يمكن ان تؤول اليه القضية الفلسطينية في خلق الظلال الكثيفة للحملة الغربية على سوريا، فكانت خطوتها المميزة والجديدة من نوعها، وذلك من خلال تنظيم مسيرة عسكرية مسلحة الى جانب استعراض عسكري شارك فيه الآلاف من مقاتلي كل الفصائل الفلسطينية في غزة، وهو كان بمثابة رسالة بعثت بها الفصائل الفلسطينية الى اكثر من جهة داخلية وخارجية، فحواها انها ليست بغافلة عما يجري وانها مستعدة لكل الاحتمالات وبأنها مستعدة للعودة الى ما بدأته وهو المواجهة المسلحة.
انه اذاً استشعار بالخطر ورسالة الى السلطة الفلسطينية واسرائيل وحتى الى مصر.
ولكن ذلك في بداهته واهميته لا يمنع من ان يستنفر الفلسطينيون في الرصد الدقيق للحدث المحتمل في سوريا، والتحسس لنتائجه وارتداداته، ولا سيما على المستوى الفلسطيني.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق