دوليات

حرب باردة على محور لندن – موسكو

الحالة لا تزال، كما لو ان الحرب الباردة لم تنته أبداً، بين روسيا وبريطانيا: جواسيس سابقون يموتون بسم البولونيوم، مواجهات ديبلوماسية، دعاوى قضائية مليونيرية على اثرياء روسيا الجدد. كلها فصول من قصص بوليسية، تدور تفاصيلها المثيرة، في عاصمة بريطانيا، التي اعتاد البعض على تسميتها لندن – غراد.

آخر فصول هذه القصص، اللجوء السياسي الذي منحته الحكومة البريطانية، منذ ايام، الى رئيس مجلس ادارة بنك موسكو، المفوض اندريه بورودين، الصديق المقرّب من رئيس بلدية موسكو السابق القوي، يوري لوشكوف، احد الذين قضى فلاديمير بوتين على حياتهم السياسية، وازاحهم عن المسرح.
وفي بداية الاسبوع الماضي، اعلن ساهاك كارابيتيان، احد كبار مسؤولي دائرة المدعي العام في روسيا، انه ينوي ان يطلب من لندن الغاء اللجوء السياسي الذي منحته، للمصرفي الذي تتهمه موسكو، بالسرقة، وكان بورودين حصل على حماية لندن، على اساس انه ملاحق في روسيا، لاسباب سياسية.

موجات الهجرة
لندن، منذ انهيار الامبراطورية السوفياتية، تشهد موجات من الهجرة الروسية، بدأت مع اصحاب شركات لا يعرفون اية كلمة من الانكليزية، ولكن حقائبهم مليئة بالمال. ثم كان الجيل الثاني من المهاجرين الروس، الذين درسوا في بريطانيا ويجيدون ثلاث لغات. فلاحظ متهكماً، دونالد رايفيلد، الاستاذ في جامعة لندن، والخبير في الشؤون الروسية، ومترجم كتب الكاتب الروسي الكبير تشيكوف، انه لم يعد احد من هؤلاء يتجرأ على نشر اي شيء بالروسية، على مواقع التواصل الاجتماعي، لانه سيجد دائماً احداً يفهم اللغة.
وتبدأ صفحات كتاب: «لندن – غراد: من روسيا مع المال»، الذي وضعه صحافيان بريطانيان، برواية وصول الثري الروسي، اوليغ ديريباسكا الذي يعيش متنقلاً بين روسيا وبريطانيا، فيهبط في مطار لوتون. بطائرته النفاثة الخاصة، من طراز غالفستريم، ثم ينتقل بواسطة مروحية من طراز سيكورسكي الى مهبط باتيرسا، ثم في سيارة مرسيدس مايباخ، حتى حي بلغرايف، حيث يقيم، فيعطي صورة عن الفخامة القصوى في حياة الترف الاجتماعي.
وهناك ثري روسي آخر، معتاد على ارتياد مهبط باتيرسا: انه الكساندر ماموت، مستشار الرئيس الاسبق يلتسين، وصديق ابنته تاتيانا، ومن اعمال الرجل، شراء شبكة ووتر ستونز، التي تضم 288 مكتبة في بريطانيا وفي اوروبا.

الصحف هدف المهاجرين
وتشكل الصحف البريطانية، الهدف المفضل لاموال المهاجرين الى «لندن – غراد». فالكساندر ليبيديف، عميل مخابرات «ك. ج. ب»، وأحد اكبر اغنياء روسيا، والشريك في ملكية جريدة «نوفايا غازيتا»، اشترى اربع صحف بريطانية، من «ايفينينغ ستاندارد» الشعبية، الى الليبيرالية و«ذو اندبندت» التي يكتب فيها روبرت فيسك وباتريك كوكبتورن، ويترأس مجلس ادارة الشركة التي تدير شؤون هذه الصحف، ابنه ايفغيني، الذي شبّ في لندن ويحمل الجنسية البريطانية، وصرّح لجريدة «وول ستريت جورنال» بانه يسعى الى «تغيير صورة تظهر الروس، جماعة «تافهة» متوحشة ونصابة».
اما الملياردير رومان آبراموفيتش، فانه ليس في حاجة الى التعريف. فهو يملك نادي تشلسيا لكرة القدم، في سعي دائم الى امتلاك اضخم يخت سياحي خاص، في العالم، ويأتي في استمرار الى لندن لمتابعة نشاطات ناديه الكروي. واعاد حبه للترف وللنساء اللواتي يحببن الترف الى الذاكرة، النكتة عن المهاجرين الاثرياء الروس، من الجيل الاول، الذين يعرب احدهم، وهو على سرير الموت، عن رغبته في ان يدفن، في محلات هارودس، ليضمن ان تزوره زوجته مرة واحدة على الاقل في الاسبوع.
المعركة القضائية الاسطورية التي خاضها رومان ابراموفيتش ضد بوريس بيريجوفسكي، ابن السبع والستين سنة، الذي كان صديقاً، ثم عدواً لدوداً لفالديمير بوتين والذي كان يطالب بيريجوفسكي بثلاثة مليارات استرلينية، تعويضاً عن اعمال خاسرة في روسيا، فخسر، واضطر الى ان يدفع تكاليف المحاكمة، عنه وعن خصمه، التي قدرت بمئة مليون استرلينية.
وتعرّض بيريجوفسكي، الى ثلاث محاولات قتل على الاقل، كشف عن احداها عميل مخابرات ك. ج. ب، السابق ليتفيننكو، التي جرت تصفيته، في ما بعد، بسم البولونيوم.
ولكن هذه هي قصة اخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق