افتتاحية

لماذا اختلفوا ولماذا اتفقوا؟

وأخيراً وبعد عشرة اشهر من المماحكات السياسية العقيمة التي ملّ منها الخارج قبل اللبنانيين، غير المهتمين اصلاً بوجود حكومة ام لا، وبعد شهر هو المدة التي يتوجب على الحكومة خلالها تقديم البيان الوزاري الى المجلس النيابي لنيل الثقة، ولدت الحكومة (جعلها الله من بنات السلامة). وولد بيانها.
كيف تم ذلك؟ لا احد يعرف. ففي صبيحة يوم وبسحر ساحر اعلن عن تشكيلها وقد ضمت مختلف الافرقاء اللبنانيين باستثناء «القوات اللبنانية» التي بقيت على موقفها مصرة على عدم المشاركة في حكومة تضم حزب الله قبل انسحابه من سوريا، والرجوع الى كنف الدولة والاعتراف بها.
اللبنانيون على اختلاف  فئاتهم بدوا غير عابئين بولادة الحكومة، ذلك انهم يعلمون انها لن تكون افضل من سابقاتها، وانها لن تقدم شيئاً للوطن ولا للمواطنين، وان الخلافات التي حالت دون تشكيلها طوال هذه المدة ستنتقل الى طاولة مجلس الوزراء،، فتشل عملها وتمنعها من تحقيق شيء.
عندما تشكلت الحكومة هلل البعض وهم قلة واستبشروا خيراً. الا ان الاغلبية الساحقة من اللبنانيين كانت تدرك ان مطبات كثيرة ستعترض الاتفاق على البيان الوزاري، وان الحكومة قد لا تتمكن من الوصول الى المجلس النيابي لنيل الثقة. وهذا ما حدث فعلاً لو لم يتم استدراك الأمر في اللحظات الاخيرة وبسحر ساحر، فولد البيان الوزاري بعملية قيصرية، تحفظ عليه البعض لانه جاء غامضاً يحتمل الكثير من التأويلات، ويستطيع كل فريق ان يفسره على هواه. وبذلك فقد يتحول الى مادة خلافية تزيد الامور تعقيداً.
وهكذا من محطة الى اخرى تعصف الخلافات بالفئات السياسية فتمنعهم من تحقيق اي ايجابية للبنان وللبنانيين.
اختلفوا على كلمة مقاومة البعض يريد ورودها بشكل واضح لا لبس فيه، وتمسكوا برأيهم واصروا عليه، حتى ان الرئيس نبيه بري قال انهم لن يتنازلوا عن حرف واحد من احرف المقاومة. وغاب عن بال الرئيس بري ان اللبنانيين كلهم يريدون مقاومة اسرائيل، وقد برهنوا عن ذلك في اكثر من محطة. ولكنهم يريدون ان تكون الدولة، والدولة وحدها، كما في كل بلدان العالم، راعية هذه المقاومة، ليصبح للعمل المقاوم صفة الوطنية، ينفذ حيثما تدعو مصلحة البلاد. غير ان الرئيس بري وهو احد اركان الدولة لم يذكرها لا من قريب ولا من بعيد بل  يريد المقاومة، حتى ولو تعارض عملها مع مصلحة البلاد.
البعض الآخر تمسكوا بـ «اعلان بعبدا» واصروا على توريده في البيان الوزاري. وقد غاب عن بالهم ان لا قيمة لذكر هذا الاعلان طالما ان الذين وقعوا عليه تنصلو ا منه قبل ان يجف حبره. فما قيمة ذكره طالما انه لن يطبق؟
وهكذا اختلفوا على الكلمات وهي جوفاء لا معنى لها، الا اذا توفرت الارادة الطيبة للاخذ بها وادراك معانيها.
ونحن نسأل المختلفين هل ان الحاق المقاومة بالدولة في البيان الوزاري سيحول دون ان تتصرف المقاومة على هواها وبعيداً عن قرار الدولة؟ وهل انها ستسلم بوجوب ان يكون قرار الحرب والسلم في يد الدولة وحدها، وفق ما ينص عليه الدستور؟
ثم لنفرض انهم اوردوا التمسك بـ «اعلان بعبدا» فهل ان حزب الله سيمتثل  وسيسحب قواته من سوريا؟ وهل قرار الانسحاب هو في يده ام انه خاضع لارادة اقليمية هي التي تقرر الانسحاب متى قضت مصلحتها بذلك؟ فلماذا كل هذه الخلافات؟ والى اين ستؤدي؟
انها ليست اكثر من مناكفات تسيء الى البلد واهله، وتؤمن مصالح خارجية بعيداً عن مصلحة الوطن؟
فهل يقيض الله لهذا البلد الجريح رجالاً يضعون مصلحته في اولوياتهم بعيداً عن المصالح الشخصية والخارجية، وعندها تشكل الحكومات في ساعات ويكتب البيان الوزاري في دقائق وتستقيم امور الوطن؟ انها امنية بعيدة المنال ولكن دعو نا نحلم.

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق