سياسة لبنانيةلبنانيات

ذكرى استقلال حزينة عنوانها فراغ رئاسي وشلل سياسي وغياب نيابي كامل

لا انتخاب رئيس للجمهورية ولا اصلاحات وقوانين تسطو على جيوب المواطنين

مرت ذكرى الاستقلال التاسعة والسبعون حزينة باردة يتيمة، لم يشعر بها اللبنانيون على خلاف عادتهم، عندما كانت تقام الاحتفالات والعرض العسكري والاستقبالات الرسمية في القصر الجمهوري الذي يحكمه الفراغ، وقد انزل العلم اللبناني عن واجهته الامامية ايذاناً ببدء الشغور. فلا رئيس للجمهورية، ولا حكومة فاعلة، لان الحكومة الحالية هي لتصريف الاعمال بالحد الادنى، والمجلس النيابي عاجز ومشلول، بعدما فشل في انتخاب رئيس للبلاد. وحده الجيش حامي الاستقلال، كان حاضراً ليذكر اللبنانيين بانه الحارس الامين على الوطن والسلم الاهلي فيه. وهكذا اثبتت الطبقة السياسية الفاشلة عدم مسؤوليتها وانكارها للوطن والناس معاً. وها هم النواب، يثبتون بما لا يقبل الشك بانهم ليسوا على قدر طموحات الشعب الذي انتخبهم، وان وعودهم التي اطلقوها ابان الحملة الانتخابية لم تكن اكثر من كلام بلا مضمون، سرعان ما تبخرت فور اغلاق صناديق الاقتراع. فهل يدرك الناخبون يوماً هذا الواقع، ويبتعدون عن هذه المنظومة التي دمرت البلد؟
لن ينتظر اللبنانيون يوم الخميس المقبل ليتأكدوا من ان الفشل يحكم عمل المجلس النيابي، في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومن ان الفراغ يحكم لبنان لفترة يبدو انها ستكون طويلة، باعتبار ان الفريقين المتواجهين في المجلس النيابي وهما المعارضة المنقسمة الى معارضات، وفريق 8 اذار الذي لا يزال مرشحه مجهولاً حتى الساعة شكلياً، وان كان بات معلوماً وهو سليمان فرنجية، الذي تؤخر معارضة جبران باسيل له ترشيحه رسمياً هذا الفريقان غير متفقين. وهكذا تفتتح كل يوم خميس جلسة يتنافس فيها مرشح المعارضة او جزء منها النائب ميشال معوض، ومرشح الفريق الاخر وهو الورقة البيضاء الى اجل غير محدد، بانتظار ربما كلمة سر تأتي من الخارج، او وساطة خارجية ايضاً، تتولى تقريب وجهات النظر بين الاطراف، بحيث يتم التفاهم على مرشح يحقق الجمع بين مختلف الشرائح. ولكن حتى الساعة لا يبدو في الساحة الا فرنسا، التي تعمل علناً وتتواصل مع مختلف الاطراف لهذه الغاية. وهذا ما يجعل السفيرة الفرنسية آن غريو في حركة دائمة تتنقل بين كل المعنيين محاولة الوصول الى تحقيق التفاهم بينهم، ولكن حتى الساعة لا يظهر ما يؤشر الى نجاح هذا التحرك.
يقابل التحرك داخل لبنان الذي تقوم به السفيرة غريو، تحرك في الاتجاه المعاكس بحيث يقوم بعض الشخصيات المعنية بانتخابات الرئاسة، بزيارات الى العاصمة الفرنسية، يبقى نشاطهم فيها محصوراً مع المستشارين، دون ان تكون لهم لقاءات لا مع وزارة الخارجية وليس بالطبع مع الاليزيه. فكأنهم يقدمون نسخة عن اعمالهم، لعل الوسيط الفرنسي يأخذ بها. ولكن حتى الساعة الامور على حالها، ولا تبدو بوادر حل ينهي هذا الفراغ القاتل الذي اصبح عرفاً معمولاً به. فمنذ بداية الفترة الدستورية لانتخاب رئيس حتى نهايتها، وما يليها والجميع يعملون على اساس ان الفراغ حاصل حتى دون ان يبذلوا اي جهد للقيام بالمهمة الرئيسية الموكلة اليهم، والتي انتخبهم الشعب من اجلها، ولكنهم اداروا ظهورهم لناخبيهم وللبلد بعد دخولهم الى البرلمان.
تحكم الفراغ عادة مستحدثة لم تكن تتبع في الماضي اذ كان المجلس النيابي ينتخب رئيساً للبلاد، بعد انتهاء الولاية وخلال ايام، وكثيراً ما كان يحصل الانتخاب قبل نهاية العهد باسابيع. فمن هي الاطراف التي اسست لهذا المسار المدمر؟ ان تجذر المنظومة في مراكز المسؤولية، وتحكمها بكل مفاصل الدولة، ونشرها الفساد في كل الادارات الرسمية والقطاعات هي التي اوصلت البلاد الى هذا الانهيار، وبات العالم كله يعرف ذلك وهو يوجه التحذيرات والانتقادات ويسمي الاشياء باسمائها، ولكن لا سميع ولا مجيب، فكأن الكلام ليس موجهاً اليها. ولذلك يضعف الامل يوماً بعد يوم بالوصول الى حلول نهائية في ظل هذه الطبقة السياسية المتحكمة، والامل الوحيد الذي يبدو صعب المنال، ان لم يكن مستحيلاً، هو في يقظة شعبية تنهي حكم هذه الطبقة وتبعدها عن مراكز المسؤولية وتحاكمها وهذا ما ليس متوفراً حتى الساعة.
هذا الفشل على صعيد المجلس النيابي، يقابله فشل حكومي قاتل. فبين الحين والاخر، تضع حكومة تصريف الاعمال مشاريع وقوانين وخططاً ترتكز كلها على تأمين مصالحها ومصالح المنظومة التي تقف وراءها، على حساب مصلحة المواطنين، الذين تحولت حياتهم الى جحيم بفضل هذه السياسة الخرقاء. ففي كل يوم قرار يستهدف جيوب الناس الغلابى، وسط موجة غلاء لا يتصورها عقل، ودون الاخذ في الحسبان القدرة على تحمل كل هذه الاعباء. فعندما يكون المتحكمون بالمصير في نعيم، لا يعود بامكانهم التصور بان وضع الناس يختلف. لذلك من المفضل ان يكون الحكام قريبين الى الشعب ومن الشعب. الموازنة مرفوضة بشكلها الذي ظهرت به، وكذلك خطة التعافي، واعادة هيكلة المصارف التي يحكى عنها والكابيتال كونترول الذي يتهرب المجلس النيابي من اقراره، رغم انه في الشكل الذي قدم به ضد المودعين. باختصار «ما في شي ماشي» والمواطن وحده يدفع الثمن. ان السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة دفعت اللبنانيين الى الهجرة، ففرغ البلد من الكثير من الادمغة والكفاءات التي بدل ان توظف خبرتها في خدمة البلد، اصبحت تعمل لصالح دول اخرى امنت لها الحياة الكريمة. ان البلد يدمره الفساد المستشري والحل الوحيد هو بالتغيير وهذا بيد الشعب وحده. فمتى يفوق من سباته الذي طال كثيراً؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق