صحة

شلل الاطفال «في الدار» والنطرة خطرة… فإعط قطرة!

سماع كلمة «أمان» في هذه اللحظات، في شرق أوسط ملتهب، يأخذنا الى «الهستيريا الداعشية» لكن من قال أن الخطر يدق فقط «أمنياً» وأن «الذبح» رسالة الخوف الوحيدة وأن «الأمان»، الأمان الكلي، يتحقق بمجرد سحقِ الإرهاب؟ ثمة خطر آخر، خطر يدنو، خطر يحوط ببيوتنا، بأطفالنا، بفلذات الأكباد. ثمة شلل أطفال يتفشى في شرق أوسط مفتوح على أكثر من ملف، من لغمٍ، قد يشل، إذا أهملناه، كل العمر.
شلل أطفال؟ تستغربون؟ هناك من بدأ يدق، وبقوة، أجراس الخطر. أصغوا جيداً…

بدت أشبه بتظاهرة طبية. بدا وكأن هناك فعلاً «خطراً داهماً».
وزارة الصحة العامة، الجمعية اللبنانية لطب الأطفال، منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسيف، منظمة الصحة العالمية، جمعية الأطباء في لبنان، اللجنة الوطنية للإشهاد ضد شلل الأطفال، برنامج التحصين الموسع في وزارة الصحة، وأطباء، أطباء، أطباء، من لبنان، من دول المنطقة، من كل مكان، أتوا ليقولوا: المنطقة في خطر…

عيوننا… على الشلل
الرئيس المنتخب للجمعية اللبنانية لطب الأطفال الدكتور برنار جرباقة أعلن بصوت عال: عيون العالم على الأمن ونحن، عيوننا، على الشلل. لماذا؟ لأن هذا النوع من الفيروسات ينتشر في هكذا ظروف أمنية صعبة.
رئيس الجمعية اللبنانية لطب الأطفال الدكتور عماد شكر ضم صوته الى صوت زميله مطمئناً: «هناك أكثر من 800 طبيب أطفال في لبنان باتوا يعون تماًماً هذا الخطر. وهذا يحثنا طبعاً على بعض (ونُسطر تحت كلمة بعض) التفاؤل».
والسؤال: لماذا كل هذا الهلع؟ ماذا في الأرقام؟
لبنان خال لكن البقاء في المجد يتطلب جهداً، وبقاء لبنان خالياً لا يعني أبداً أن أطفال لبنان في أمان، هذا في المبدأ، أما في التفاصيل فيتأتى القلق الكبير من ثلاث حالات ظهرت في 2014 في جوارنا: واحدة في سوريا واثنتان في العراق. تريدون أن نتابع في سرد الأرقام؟ هناك إذاً 117 حالة  جديدة في باكستان وست حالات في نيجيريا وخمس في غينيا ومثلها في الكاميرون وأربع حالات في الصومال وحالة واحدة في أثيوبيا. يعني، ظهرت في 2014، 149 حالة شلل أطفال جديدة. الرقم كبير. بلادنا مفتوحة. أطفالنا في خطر.
من يُصيب شلل الأطفال؟ من هم في قمة لائحة الإستهداف؟
يصيب هذا المرض أولاً الأطفال دون سن الخامسة، لكن، تؤدي حالة واحدة من أصل نحو مئتي عدوى الى شلل عضال، ويُلاقي للأسف نحو عشرة في المئة من المصابين حتفهم بسبب توقف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها.
سنسأل سؤالاً من الآخر، من الأخير: كيف نقي صغارنا من هذا الخطر المحدق؟ وهل الأطفال الذين سبقوا ولقحوا معرضين؟
هناك نوعان من اللقاح ضد شلل الأطفال، اكتشف النوع الأول الأميركي جوناس سالك عام 1952 ويعتمد على إعطاء فيروس ميت عبر حقنة في العضل «آي بي في». وأتى لاحقاً الأميركي ألبرت سابين، بعد نحو عشر سنوات، في العام 1961 بالتحديد، ليُقدم لقاح شلل الأطفال الفموي الثلاثي «أو بي في» وهو يتكون من مزيج من فيروس شلل الأطفال الضعيف والمخفف والحي لمكافحة شلل الأطفال بأنواعه الثلاثة. ويدفع هذا اللقاح الدم على إنتاج الأجسام المضادة للأنواع الثلاثة لفيروس شلل الأطفال، بحيث يتجند جهاز المناعة الذي تم تحفيزه مسبقا من خلال اللقاح لإنتاج الأجسام المضادة التي تحمي الجسم من خلال منع انتشار فيروس شلل الأطفال البري ووصوله الى الجهاز العصبي.

لقحوا اطفالكم فموياً

أولادكم لقحوا عضلياً؟ هذا لا يكفي أبداً، فالحقن العضلية توفر مناعة فردية بينما يوفر اللقاح الفموي مناعة مجتمعية، وبالتالي الطفل الذي جرى حقنه بالعضل قد يُظهر مناعة ضد الإصابة غير أنه قادر على أن ينشر العدوى. ما معنى هذا؟ معناه، نكرر، لقحوا صغاركم مجدداً فموياً عبر قطرات بسيطة، قليلة، وتذكروا وأنتم تفعلون شعار الحملة الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال في 2014: «النطرة خطرة إعط القطرة».
شلل الأطفال هو مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث الشلل التام في ساعات قليلة! وهذا، في ذاته، فظيع! فظيعٌ أن نتخيل طفلاً يضحك، يلعب، يركض، وفجأة، في ساعات، في أقل من ساعات، يتحول الى طفل على عكازين!
والسؤال: كيف يتطور الفيروس في الجسم؟
يدخل هذا الفيروس في جسم الإنسان عبر مسار البراز الى الفم، وقد ينتقل وإن بنسب أقل عبر المياه أو الغذاء، ويتكاثر في الإمعاء. وتتمثل أعراض المرض الأولية في الحمى والتعب والصداع والتقيؤ وتصلب الرقبة وبألم في الأطراف.
لبنان (نكرر) خال من الفيروس فلماذا إذا الهلع؟
الجواب هو أن سوريا كانت هي أيضاً خالية من الفيروس منذ العام 1999 لكن منظمة الصحة العالمية اكتشفت في 29 تشرين الأول (اكتوبر) عام 2013 أول حالة شلل أطفال في القرن الجديد! ماذا يعني هذا؟
لبنان «ينغل» بالسوريين، وبأطفال سوريا، وقد ينغل أيضاً بالعراقيين، وبأطفال العراق، إذا استمرت الأوضاع الأمنية السيئة تتدهور. ناهيكم أن معظم أطفال سوريا الذين ولدوا في الحرب لم يحصلوا على جرعات لقاح شلل الأطفال خلال السنوات الخمس الأولى من حياتهم، وفي النسبة المئوية إنخفضت معدلات التلقيح في سوريا من 99 في المئة قبل الحرب الى 52 في المئة في 2012.
ما معنى هذا أيضاً وأيضاً؟ معناه، بحسب منظمة اليونيسيف، أن 765 ألف طفل سوري، دون سن الخامسة، لم يتلقوا لقاح شلل الأطفال في شكل منتظم. ناهيكم عن الظروف الغذائية والبيئية التي يعيشها هؤلاء سواء في سوريا أو في المناطق التي نزحوا إليها لا سيما في مناطق لبنانية نائية كثيرة. وكلنا أصبحنا نعلم أن الفيروس ينمو في جسم الطفل في هكذا ظروف.
تشخيص المرض يتم عبر فحص سريري يجري من خلاله الكشف عن ردود فعل الجسم غير الطبيعية وعبر فحوصات مخبرية تشمل اختبار لمسحة الحلق ولعينة من البراز أو السائل الشوكي. في كل حال تحتاج أعراض المرض للظهور، إثر التعرض للفيروس، الى مدة تتراوح بين خمسة أيام الى 35 يوماً. والمطعوم ضد الشلل يقي منه بنسبة تسعين في المئة لذلك يُعطى على مراحل على شكل جرعات. 
لبنانيون؟ أطفالكم دون الخامسة أو أكثر بقليل؟ لقحوا إذاً صغاركم.
هذا ما ستسمعونه كثيراً إبتداء من أوائل الشهر المقبل، تشرين الأول (اكتوبر) 2014، في حملة على مستوى كل الوطن. واللقاح سيكون متوافراً في كل المراكز الطبية، بكلفة جد مدروسة، فالجرعة الواحدة لا تتعدى كلفتها في البلدان النامية 14 سنتاً أميركياً.
اعتقدنا لوهلة أننا شطبنا هذا الفيروس من قاموسنا! وها نحن نُخطىء مرة جديدة! وكأن نصيب البشرية أن تبقى تعيش الخوف تلو الخوف تلو الخوف بأشكال مختلفة… الى متى؟ الى أن يبث الوعي في كل المجالات. واعون؟ نأمل أن نكون كلنا كذلك. نتمنى أن نكون كذلك. فلا يدفع صغارنا ثمن عدم انتباهنا الى فيروس عاد يُحدق بمنطقتنا والإحاطة منه ممكنة، بلفتة نظر، بخطوة، بلقاح… لقحوا صغاركم بقطرة وتذكروا أن «النطرة» خطيرة. 

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق