أبرز الأخبار

السيسي يدشن مرحلة جديدة من تاريخ مصر وسط اجراءات امنية مشددة ومشاركة عربية لافتة

بغض النظر عن حالة التفاؤل او التشاؤم التي تقاسمت الشارع المصري بدا واضحاً ان هناك احساساً عاماً بان مرحلة جديدة بدأت مع اداء الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية رئيساً جديداً لمصر. وهو الرئيس السابع في تاريخ البلاد.

المرحلة الجديدة قد تكون «خلافية» في الكثير من عناصرها، خصوصاً وان عنوانها الرئيس هو المواجهة مع التيار الاسلامي الذي يرفض – حتى اللحظة – التسليم بنتائج الانتخابات، وكل الاجراءات التي تمت منذ اطاحة الرئيس محمد مرسي من خلال حراك شعبي واسع، فسره المتابعون بانه تفويض شعبي للسيسي الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع لتوجيه الامور في اتجاه معاكس لما كان عليه الوضع في تلك الحقبة.
والمرحلة الجديدة – كما تؤشر مجمل المعطيات – تقوم على فكرة التأسيس لنمط جديد في الحكم، قد يراه البعض مناسباً، ومنسجماً مع متطلبات المرحلة، بينما يراه البعض الاخر متقاطعاً معها. لكنه في المجمل – يقوم على عناصر عدة ابرزها العودة بالبلاد الى ثوابتها السياسية والاقتصادية وغيرها. مستنداً الى دعم واسع من قبل مجموعة لا يستهان بها من الدول العربية، وخصوصاً التي ترى في نهج السياسي ما يمكن ان يبعد خطر التطرف، ويعيد الامور الى مسارها الحقيقي.
وهي الحالة التي تعزز فرضية النهج الجديد، حتى وان كان متكئاً على موروث له ما له، وعليه ما عليه. وحتى لو تقاطعت تصنيفاته عند مفترق لا يخلو من بعض العقد، وخصوصاً ما يشاع عن ان الحقبة الجديدة انما هي استمرار لحكم العسكر. وتراجع عن مشروع الربيع العربي.
وفي بعض الاحيان هناك قراءات تفصيلية تصف ما يجري من تطورات بانها استمرار لحقبة الرئيس مبارك. وان هناك محاولات – غير ناجحة – لاستحضار حقبة عبد الناصر. مع اختلاف في بعض التفاصيل.

القسم
فقد أقسم السيسي اليمين يوم امس الاحد، في مقر المحكمة الدستورية العليا، ليكون رئيساً لمصر للسنوات الأربع المقبلة، بعد أن فاز بالانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي، بنسبة فاقت 96 بالمائة.
وأقسم السيسي، اليمين، بحضور الرئيس المؤقت عدلي منصور وأعضاء المحكمة العليا والحكومة وشخصيات دينية رسمية.
واتخذت السلطات المصرية اجراءات أمنية غير مسبوقة للإحتفال بتولي الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي الحكم رسمياً، وأغلقت الشرطة طريق كورنيش النيل، أمام حركة المرور منذ الثامنة صباحاً، وحتى الثانية عشرة ظهراً، ما أحدث إرباكاً حاداً في حركة المرور في منطقة وسط القاهرة والمعادي، وأدى إلى ازدحام حاد في الطريق الدائري.
وفي محاولة من الحكومة للتخفيف من حدة الأزمة المرورية، منحت العاملين في الدولة يوم امس الاحد عطلة رسمية، وحلّقت طائرات عسكرية في سماء القاهرة، بينما حلقت أخرى تابعة لجهاز الشرطة في سماء مقر المحكمة الدستورية العليا، وأسقطت أعلاماً مصرية على المواطنين.
وشهد محيط المحكمة الدستورية العليا في ضاحية المعادي في القاهرة، إجراءات أمنية مشددة، وانتشر آلاف الجنود والضباط بآلياتهم العسكرية أمامها وفي الشوارع المحيطة بها، وأخضع المواطنون للتفتيش الذاتي، والتحقق من بطاقات الهوية. وتواجدت سيارات الاسعاف بكثافة، بالإضافة إلى سيارات لرش المياه، ووضعت آلاف الأواني الفخارية بالزهور على جانبي الطريق.
وينص القسم الدستوري الذي تلاه السيسي على الآتي: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه».
وتوجه الرئيس المنتخب عقب أداء اليمين الدستورية إلى «قصر الاتحادية»، ومع وصول الموكب الرئاسي اطلقت مدفعية السلام إحدى وعشرين طلقة، وادى حرس الشرف التحية، تلاها عزف السلام الوطني، واستقبل الرئيس الموقت عدلي منصور السيسي على سلم القصر لتحيته. وفي ما بعد استقبل السيسي ملوك ورؤساء الدول والحكومات والبرلمانات، ورؤساء الوفود المشاركين في مراسم تسليم السلطة.

وثيقة تسليم السلطة
وفي تقليد جديد يعقد للمرة الأولى في تاريخ مصر، وقع الرئيس الموقت عدلي منصور والمنتخب عبد الفتاح السيسي على وثيقة سميت بـ «وثيقة تسليم السلطة».
وحضر مراسم حلف السيسي لليمين الدستورية شخصيات سياسية وعامة، من بينها المرشح الخاسر حمدين صباحي، ولم تحضر شخصيات عربية أو أجنبية.
وانتقدت حركة «آسفين يا ريس» المؤيدة للرئيس الأسبق حسني مبارك، عدم دعوة أحمد شفيق لحضور المراسم، وقالت في صفحتها على فايسبوك ان عدم دعوة شفيق تشكل استهانة بحق 12 مليون صوت انتخابي حصل عليها الفريق أحمد شفيق في الانتخابات السابقة. وشارك أكثر من مائة شخصية مصرية سياسية وعامة في حفل مراسم أداء السيسي اليمين الدستورية، بينما حرم آخرون من الحضور، لا سيما المعارضين للسيسي، ومن يرون أن ما حصل في 3  تموز (يوليو) الماضي كان «إنقلاباً عسكرياً».
وضمت قائمة الحضور، حكومة المهندس إبرهيم محلب، بكامل تشكيلها، إضافة إلى الرئيس الموقت عدلي منصور، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبابا الأقباط تواضروس الثاني، ونبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعمرو موسى الأمين العام السابق، وحمدين صباحي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى شخصيات إعلامية وسياسية بارزة.
وهذه هي المرة الاولى في تاريخ مصر التي تتم فيها مراسم تسليم رئيس منتهية ولايته هو الرئيس الموقت عدلي منصور إلى رئيس منتخب.
ومع تسلمه مهام الرئاسة في مصر، فإن الرئيس السيسي ابن حي الجمالية القاهري الفقير، كان قدم تعهدات بعد إعلان فوزه يتعيّن عليه تنفيذها، وفي مقدمتها تعهده بالعمل على تحقيق العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية للمصريين.

الحاجة الى التعاون
وفي هذا السياق سبق ان اكد «إن تحقيق العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية يحتاج إلى أن يتعاون المصريون ويعملون معه». كما أن السيسي يواجه تحديات عدة على رأسها إصلاح الاقتصاد المتدهور والفقر ومنع أي أزمات سياسية جديدة.
وتعهد السيسي كذلك، بمواجهة الإرهاب والتصدي لأي أعمال عنف تهدد البلاد التي شهدت تصاعد هجمات مسلحين في المدن المصرية الكبيرة وشبه جزيرة سيناء، في أعقاب اطاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي.
وتذهب بعض التقديرات الى ان السيسي المعروف بجديته، ورغبته بان يسجل التاريخ له المزيد من الانجازات، يجد نفسه امام واجب تنفيذ مثل هذه الالتزامات، وسط خشية من إنه سيواجه مصير من سبقوه، وتحديداً حكم جماعة الإخوان التي لم تنفّذ أياً من تعهداتها الانتخابية للمصريين.
وفي هذا الصدد، تشير القراءات الى ان السيسي يجد نفسه بين استحقاقي الرغبة في الوفاء بالوعود، يقابلها ضيق الامكانات، وما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية الصعبة في اعقاب فترة حكم مرسي وما طال السياحة والصناعة والتجارة من اضرار اصابتها في مقتل. لكنه يجد في ما يحوط به من دعم عربي عموماً، وخليجي خصوصاً ما يمكن ان يشكل بوابة النجاة التي تمكنه من الخروج الى فضاء الانجازات الرحب.
والمدقق في تفاصيل الاحتفال الرئاسي، يتوقف عند ابرز محطاته، والمتمثلة بدعم الاشقاء. حيث شدد على الدعم الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً، فافصح عن تقديره وعرفانه بـ «الجميل السعودي» و«الاماراتي» تحديداً. وامله بان يتواصل هذا الدعم بما يمكنه من اعادة بناء اقتصاد بلاده، وخصوصاً اعادة احياء القطاع السياحي الذي يعتبر العصب الرئيسي للاقتصاد المصري.
وتشير تسريبات غير رسمية الى ان السيسي يطمح بالحصول على تمويل على شكل منح وقروض وتسهيلات واستثمارات تتجاوز العشرين مليار دولار خلال عامين. وتؤكد التسريبات ان لدى الرجل مخططات جاهزة للتنفيذ في حال توفر التمويل. مستنداً ليس الى خلفيته العسكرية فحسب. وانما لمنح الجيش دوراً تنموياً بارزاً في مرحلة اعادة الاعمار التي ستنطلق – بحسب تصوراته – سريعاً.

الامن والاقتصاد
ومع التأكيد على العامل الاقتصادي في مشروع السيسسي، يؤكد مقربون منه ان كل تلك التصورات تتراجع امام  عنوان آخر اكثر اهمية الا وهو المشروع الامني. وبحسب وثائق خطها السياسي لا يمكن لاي مشروع اقتصادي ان ينجح بدون العامل الامني.
ويبدو ان السيسي يعد نفسه لمواجهات كبرى مع تيارات معارضة ترى نفسها انها خسرت كثيراً من خلال التطورات التي شهدتها البلاد. والتي انهت حكم الاخوان، وجاءت به رئيساً. ويبقى الرهان – هنا – على مدى ادراك تلك الجماعة جدية النظام الجديد السير في المواجهة، وتوفير عناصرها. وبالتالي الاقتناع بان الامور انتهت عند هذا الحد. وان المسار الجديد اكتسب شرعية صناديق الاقتراع والغى اية شرعية يتحدث عنها الاسلاميون من انصار مرسي.

خطاب التنصيب
وفي خطابه الذي القاه بعد مراسم التنصيب، كشف الرئيس المصري الجديد رسميا عن بعض توجهاته، حيث اكد انه «لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ الى العنف» وفي الوقت نفسه شدد على انه «يتطلع الى عهد جديد يقوم على التصالح والتسامح» مستثنياً «من اجرموا في حقه واتخذوا من العنف منهجاً» في اشارة واضحة الى جماعة الاخوان المسلمين التي اطيح الرئيس المنتمي اليها محمد مرسي في تموز (يوليو) الماضي.
واضاف «اقولها واضحة جلية، من اراقوا دماء الابرياء وقتلوا المخلصين من ابناء مصر لا مكان لهم في هذه المسيرة».
وهاجم السيسي نظام محمد مرسي من دون ان يسميه مشيراً الى انه «كان يساهم في ما يحاك من مخططات تنال وحدة شعبه – شعب مصر – وسلامته الاقليمية» في اشارة على ما يبدو الى تحالفات اقليمية قال السيسي اكثر من مرة في مقابلاته الاخيرة انها كانت تمثل تهديداً للامن القومي المصري.
وتعهد السيسي بان يحترم الدستور ويحرص على ان يضيف «دستور دولتنا المدنية وحكمنا المدني» في رد غير مباشر على من يتهمونه بانه سيؤسس نظاماً عسكرياً بسبب انتمائه الى الجيش الذي تقاعد منه ومن منصبه كوزير للدفاع عشية ترشحه للرئاسة.
كما وعد بتحقيق اهداف الثورة مشيرا اكثر من مرة الى انه سيعمل على تحقيق «الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية».
وحرص الرئيس الجديد على الاشادة بالجيش المصري وتحدث عن نفسه قائلاً «لقد تعرفتم الى رجل من رجال القوات المسلحة وما عبرتم عنه من ثقة فيه يعود الى موقف تلك المؤسسة الوطنية العريقة من تطلعاتكم وامالكم».
وتابع «اسمحوا لي ان اشيد بالدور الوطني لقواتنا المسلحة مصنع الرجال قلعة الوطنية المصرية على مر العصور، وقد شاء القدر ان يكون لهذه المؤسسة الوطنية دور اساسي في انتصار ارادة الشعب المصري في يناير ويونيو».
وكانت خرجت حشود كبيرة من المصريين للاحتفال بتولي الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي زمام المسؤولية في البلاد، وسط ترحيب دولي كبير. وامتلأت الميادين خصوصاً أمام قصر القبة بمحبي السيسي، ورفع المصريون صور الرئيس وشعارات داعمة له.

ا. ح

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق