سياسة لبنانية

النار تقترب من دروز سوريا ودروز لبنان في لحظة «الخيارات الصعبة»

يشكل الدروز في سوريا نحو ثلاثة في المئة من تعداد السكان البالغ قبل الحرب 23 مليوناً وينتشرون بشكل مركز في محافظة السويداء جنوب سوريا في جبل حوران امتداداً حتى هضبة الجولان المحتلة. كما لهم تواجد محدود في محافظة إدلب شمال سوريا، في منطقة جبل السماق التي يقطنها نحو ثلاثين ألف درزي… ومنذ انفجار الحرب في سوريا ظل الدروز في منأى عن أخطارها ومعاركها ولم يصبهم ما أصاب الأقليات الدينية والعرقية الأخرى مثل الأكراد والمسيحيين الأشوريين، خصوصاً وأن منطقة السويداء كانت بعيدة عن مسرح الحرب والعمليات العسكرية وكانت التنظيمات المتطرفة مثل «النصرة» و«داعش» بعيدة عنها… وانقسم دروز سوريا بين مؤيدين للنظام ومتعاطفين مع المعارضة، ولكنهم بالإجمال التزموا البقاء تحت سقف «الدولة السورية» وقاتلوا مع الجيش السوري وبرزت في صفوفهم قيادات عسكرية لامعة وفاعلة على الأرض مثل العميد عصام زهر الدين وسقط لهم قتلى وشهداء، ويقال إن أكثر من 1500 درزي في الجيش السوري (عناصر وضباط) قتلوا منذ بداية الحرب وحتى اليوم.
ظل الدروز في مأمن ومنأى على امتداد سنوات الحرب الأربع، ولكن الوضع تبدل في الأسابيع والأيام الأخيرة، إذ شعر الدروز باقتراب النار من منطقتهم ودخولهم دائرة الخطر وانتابهم شعور من الخوف والقلق الشديد… وهذه الحالة ساهمت في تكوينها عوامل ومعطيات عدة مستجدة أبرزها:
1- النكسات والخسائر المتلاحقة التي لحقت بالجيش السوري في الفترة الأخيرة ولم تقتصر على شمال سوريا وإنما امتدت الى جنوب البلاد لتتهاوى مراكز الجيش السوري الواحد تلو الآخر وصولاً الى مركز اللواء 52 غير البعيد عن السويداء. وهذا ما أدى الى تضعضع ثقة الدروز في الجيش السوري وقدراته وصوابية استمرار الرهان والاعتماد عليه كضمانة وحماية لهم.
2- اقتراب تنظيم «داعش» بعد سيطرته على تدمر من جبل الدروز، خصوصاً وأنه يتعاطى مع «السويداء» كهدف مركزي لأهميتها الاستراتيجية (بوابة دمشق من الجنوب وعلى تماس مع درعا والجولان).
3- المجزرة التي ارتكبتها «جبهة النصرة» في جبل السماق في محافظة إدلب وضد سكان بلدة درزية صغيرة موقعة 30 قتيلاً من سكانها بينهم نساء وأطفال. وهذه أول مجزرة يتعرض لها الدروز في سوريا منذ بداية الأحداث وكان من نتائجها أن نسفت ما كان لدى جهات درزية في السويداء من ثقة بـ «جبهة النصرة» ورهان على إمكان إيجاد طريقة للتفاهم معها على تحييد المناطق الدرزية وعدم دخولها…
4- الإمكانات العسكرية الضعيفة والمتواضعة في يد دروز السويداء الذين ينقصهم السلاح الثقيل ولا يكفيهم السلاح الفردي في مواجهة تنظيمات مدربة ومنظمة وتملك سلاحاً متطوراً…
5– الانقسامات على مستوى الطائفة الدرزية ومرجعياتها السياسية والدينية بشكل خاص نظراً للدور والتأثير اللذين يمتلكهما المشايخ ورجال الدين… فازاء حرب مدمرة تجتاح سوريا وتأخذ في دربها كل شيء، لا يمتلك دروز سوريا استراتيجية واضحة ونهائية ازاءها، في حين أن استراتيجيتهم التقليدية والتاريخية “التقية والتعاطي مع الأمر الواقع ومجاراة القوي والحاكم، ليست كافية ولا متناسبة مع حجم التهديد الراهن وطبيعة الحرب الدائرة بارتباطاتها وتعقيداتها الإقليمية..
حالة القلق والانقسام امتدت من دروز سوريا الى دروز لبنان. فالنار التي اقتربت من السويداء تطايرات شرارتها الى جبل لبنان ووادي التيم. والخلاف الذي كان موجودا بين مرجعيات الطائفة الدرزية ولكن بشكل خافت ومضبوط، انفجر مرة واحدة وخرج الى العلن كاشفاً عن حالة انقسام في الموقف وفي الخيارات بين توجهين ومحورين رئيسيين:
الأول يمثله ويتزعمه النائب وليد جنبلاط الذي يعمل على تهدئة الموقف واستيعاب حالة التوتر والانفعال لدى الدروز، والذي ما زال مقتنعاً بأن النظام السوري يعمل على توريط الدروز وإدخالهم في مواجهة مع الطائفة السنية (درعا)، وبأن التفاهم مع قوى المعارضة السورية بما فيها «جبهة النصرة» هو الذي يحمي ويحيّد الدروز الذين عليهم أن يكونوا جزءا من المعارضة ومن حملة إسقاط النظام في مراحلها المتقدمة وأشواطها النهائية…
الثاني يمثله الوزير السابق وئام وهاب والنائب السابق فيصل الداوود الذي لحركته «النضال الوطني» تواجد شعبي ونفوذ تاريخي في منطقة راشيا ووادي التيم، والأمير طلال إرسلان الذي أخذ وقته في دراسة الموقف والأحداث، والحزب القومي الناشط على الساحة الدرزية…  وهذا التوجه عبّر عنه بوضوح وبشكل فاقع من دون قفازات رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب داعياً الى «حمل السلاح دفاعاً عن النفس وإنشاء جيش درزي للدفاع عن السويداء والى انخراط دروز لبنان في المعركة الى جانب محور المقاومة وتحت سقفه، والى الإقلاع عن رهانات وسياسات خاطئة وخاسرة، وعن تعامل غير مرغوب به مع «جبهة النصرة»… وباختصار التسلح بات الخيار الوحيد أمام الدروز».
في الواقع تواجه الطائفة الدرزية أوقاتاً عصيبة وموقفاً حرجاً وتقف في لحظة الخيارات والقرارات الصعبة، وكأن ساعة الحقيقة قد دقت وحان وقت كشف الأوراق وحقيقة المواقف في لعبة خطرة لم تعد مستورة وفي حرب باتت مكشوفة ومفتوحة وتحمل في طياتها ملامح خطر وجودي لم يسبق للدروز في سوريا ولبنان أن واجهوه وعرفوه من قبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق